رأي

أمريكا ودموع الندم

{ بعد أن حققت أمنيتها في فصل جنوب السودان عن شماله، تجلس أمريكا الآن متأملة ما فعلته بيديها فلا تجد إلا آلاف القتلى من النساء والشيوخ والأطفال.
كل هذا العمل الذي قامت به في السودان جرى وفق خيال رومانسي لا يمت إلى الواقع بأي صلة. لقد قال لها خيالها إن هناك مجموعة من الزنوج يضطهدهم العرب في السودان، وأنها لكي تكسب إعجاب شعوب أفريقيا ليس أمامها إلا إنقاذ هؤلاء الزنوج من الاضطهاد.
{ ولو تريثت قليلاً لرأت الصورة الحقيقية والتي تظهر تدليلاً للجنوبيين منذ عهد “نميري” يحسدهم عليه الشماليون. حصلوا على أرفع المناصب دون تأهيل وحصلوا على المال الكثير، وبدلاً من أن يوظفوه لصالح الفقراء منهم شيدوا به القصور وامتلكوا الضياع. واكتفوا بالصراخ نحن نعيش في ظل الاستعمار الشمالي وهو أغرب استعمار لأنه يدلل المثقفين منهم. لقد فتح الشمال أبواب مدارسه وجامعاته لأبناء الجنوب في كل مراحل التعليم وأعطاهم الغذاء والسكن، لكنهم اكتفوا بالصراخ نريد الاستقلال عن الشمال الذي يضطهدنا. وذهب بعضهم إلى أمريكا وامتلك الشقق الفاخرة وآخرون اتجهوا إلى أوروبا وإسرائيل. وهناك وجدوا من يعزف لهم نفس نغمة الاضطهاد، ويزين لهم الانفصال ويصوره لهم باعتباره الجنة.
{ الآن أفاقوا على الحقيقة.. أوروبا لن تساندهم بعد أن أصبحوا دولة مستقلة وأمريكا لن تسمع صراخهم عن الاضطهاد، لأنها تعرف أنه لم يكن حقيقياً من البداية.
{ لا تعرف أمريكا ماذا تفعل ولقد حلمت باحتكار نفط الجنوب وحرمان الشمال منه، فإذا هي الآن لا تجد النفط بل تجد نفسها مسؤولة عن إيواء آلاف اللاجئين الذين صدقوا كذبتها. أول ما اكتشفته أمريكا أن الجنوب لا ينتج غذاءه وأن أراضيه معظمها صخرية لا تصلح للزراعة، وأن الجنوب كان يعيش عالة على الشمال حتى في وجباته اليومية.
{ مثقفو الجنوب يتلفتون الآن فلا يجدون إلا مشاهد البؤس والإبادة العرقية التي كان الشمال يمنعها بجيشه. الآن تدور حرب إبادة عرقية لا ينتبه لها العالم. في معركة واحدة بين الدينكا والنوير أبيد عشرون ألفاً لأن كل قبيلة تريد إبادة القبيلة الأخرى. ويستمر مسلسل القتل كل صباح دون توقف. ولم يكن هنالك إنتاج أو اهتمام به، فكبار المسؤولين أبعدوا أبناءهم إلى أوروبا وأمريكا لكي يحافظوا على أرواحهم وتركوا المساكين يموتون بالآلاف.
{ لم أستغرب عندما حملت وكالات الأخبار خبراً عن مظاهرة في “جوبا” تطالب بإعادة الوحدة مع الشمال. لقد كانوا يعيشون في نعيم وكان الشمال يدللهم فافتقدوا الآن ذلك التدليل. أمريكا الآن تعيش في حرج شديد فهي لا تستطيع الاعتراف أنها أخطأت عندما حرضت الجنوبيين على الانفصال. ولا تستطيع المضي في مشروع الانفصال. ليس أمام أمريكا الآن سوى الاعتراف أنها ارتكبت خطأ كبيراً بفصل الجنوب. لو أجري استفتاء الآن فستكون نتيجته (99%) مع الوحدة مع الشمال.
> سؤال غير خبيث
هل تهرب أمريكا من الجنوب؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية