الحربة والزمل
السيد “مبارك الفاضل المهدي” القيادي بالجبهة الثورية والمناضل الكبير هبط في العاصمة الإثيوبية والتقى كبير الوسطاء، ثم ما لبث الرجل أن توهط – أي الفاضل- في مجلس المفاوضين في صدارة الطاولة ثم أفتى بعد حين بأن “أمبيكي” قد كلف بإدارة الحوار السوداني. ويحدث هذا ووفدنا يتلفت في انتظار وصول “غندور” ليكون في الخصام مبيناً فالأخ “عمر سليمان” كالعهد به يناصر السكينة وبقية أعضاء الوفد صامتون، كذلك فوجد “المهدي” الصغير الرياح (فضرا عيشه ) كما نقول في العامية.
ولست أعلم هل عاد الرجل مساعداً كبيراً ودستورياً مهيباً في القصر الجمهوري إلى سابق منصبه أم ماذا جرى، لأن من يسمع هذا القول يظن أنه صادر من مسؤول حكومي وليس سياسياً متمرداً لا يملك في كل حركات التمرد إلا اسم عائلته فقط. وهو ليس بعد ذلك من المنتمين لقطاع الشمال كفصيل أو إلى المنطقتين كجغرافيا ليدخل إلى صالات التفاوض ويتحدث ويفتى، فلم يبقَ له إلا أن يمهر بتوقيعه المبارك كذلك وبالأحرف الأولى ما يتم الاتفاق عليه !
تتراجع الآن تمام مرجعيات التفاوض حول المنطقتين سواء أكانت قرار مجلس الأمن أو توجيهات الاتحاد الأفريقي أو حتى ما سبق التفاهم عليه بين وفدى التفاوض. وتتصاعد بتنسق غريب حالة تحويل القضية إلى خلق آخر ومشروع جديد، والراجح أن وفدنا سيعود يحمل أوزاراً من التفويض الجديد لأنه ببساطة لم يحسن الحسم، فلو كنت مكانه لطالبت الوساطة بإعلان منها يحدد العنوان العريض الذي تنعقد تحته الجولة، ولطالبت “أمبيكي” صراحة بتوضيحات – وهذا من حقنا – حول ما نسب للسيد “مبارك الفاضل” لنعرف هل يتحدث باسم الوساطة أم أنه يجتهد حسب أمانيه.
الحوار السوداني بشكله المطروح الآن في الساحة السياسية حوار داخلي ووطني بين القوى السياسية المختلفة، وثمة تقاربات وتفاهمات تدعم هذا التوجه بثوابت أهمها أن يكون الحوار مباشراً وبين كل الأطراف، ولا سقوفات وتحت إرادة وطنية لا مجال فيها لأي وجود أجنبي مهما كانت المبررات. وإلى الآن لا توجد ممانعة قاصمة لهذا التوجه وثمة إجماع عليه، بل وشرعت بعض القوى والأطراف بالحكم والمعارضة في طرح تصوراتها بشأن الآليات والأجندة، فما الذي ترى فيه قيادات مثل “الفاضل” و”عرمان” بتحويل الأمر إلى مقاصة دولية للجدل السياسي والوصاية، حتى في نقاشاتنا وما تراه أحزابنا مناسباً لحال البلاد والعباد من منهج حكم وأشكال إدارة.
أعتقد أن على المؤتمر الوطني الآن وفي هذه اللحظة ترك التردد ومنح مساحات لأفكار “الترابي” و”غازي صلاح الدين” و”الصادق المهدي”، ولهؤلاء مقترحات موضوعية وكل القوى الوطنية بما في ذلك أحزاب اليسار حول شكل الانعقاد لهذا الحوار. وحان الوقت لتجاوز حساسيات مقترحات (المؤتمر الجامع) أو (الدستوري) طالما أن الأمر ينعقد آخر المطاف بإرادة من قوى سودانية وبمبادرة لا غريب يوجهها، هذا وإلا فإن (الحربة ستركب الزمل ) ولات حين مندم يومها.