المشهد السياسي

لا استباق للحوار الوطني ومخرجاته

يسعد الساحة السياسية السودانية والوطن أن أطروحة الحوار الوطني التي عمدت إليها الدولة مؤخراً واعتمدتها بحزبها السياسي ورئاسة الجمهورية كخريطة طريق للخروج من الأزمات والمشكلات، قد وجدت قبولاً كبيراً من كبرى الأحزاب وقادة الرأي في البلاد. ولم يبق غير أن تستكمل الإجراءات اللازمة لذلك من آلية تنفيذ وسقف زمني رغم أن ذلك له – في ما نرى ونسمع – محل شورى واستنطاق (مكتوم) بين القادة وأهل الحل والعقد.
على أن هناك من يستبق ذلك من ترتيبات ومجريات أمور، ويرى أن التفاوض بين الحكومة وقطاع الشمال الذي هو شغل الساحة السياسية والأمنية الشاغل هذه الأيام بعد تعليق جولة مفاوضات “أديس أبابا” الأسبوع الماضي، كان يجب فيه (تطعيم) الوفد الحكومي المفاوض ببعض رموز المعارضة، لأن المرحلة مرحلة حوار وطني مرحب به ومعتمد من الكل..!
ونقول استباقاً وربما خلطاً في الأوراق لجملة أسباب، منها أن الحوار الوطني لم يترجم بعد إلى خطة عمل وآلية صدرت عنها مخرجات ونتائج. فالدولة بتركيبتها الدستورية والتشريعية والتنفيذية التي ولدتها وأفرزتها انتخابات عام 2010م.. والانتخابات التي سبقتها وحكمها اتفاق نيفاشا للسلام في عام 2005م، ما تزال تعمل وتتحرك في ذلك الإطار.
وتأسيساً عليه فإن المنطقتين (ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق) هما ورغم تبعيتهما بالكامل لجمهورية السودان.. هما ما يدعي (قطاع الشمال) – وهو جزء من الحركة الشعبية لتحرير السودان قبل الانفصال وربما إلى الآن – أنهما من النقاط العالقة التي صار لها بعد سياسي وآخر عسكري. ذلك أن (مذهب) قطاع الشمال ومرجعيته ما تزالان (السودان الجديد العلماني)، وإن كانت عبارتا (الاشتراكي والموحد) قد مشى عليهما الزمن فلم يعد لهما ذكر..! والولايتان – رسمياً وشعبياً – لهما وضعهما الدستوري والتنموي والأمني.. وغير ذلك.
ذلك من وجه، ومن وجه آخر فإن المشكل والصراع في بعديه السياسي والعسكري بين قطاع الشمال والحكومة السودانية قد تدخلت فيه الأمم المتحدة بالقرار (2046) والاتحاد الأفريقي بوساطته التي ترعى السلم والأمن والمفاوضات بين الطرفين حول المنطقتين.
إن الحكومة السودانية في كل الأحوال هي المعنية بالأمر رسمياً، وعندما تدعم وفدها المفاوض برموز من الولايتين، فذلك استكمالاً للرؤية الرسمية، وفيه إشارة في نفس الوقت إلى أن ما يقول به “عرمان” رئيس وفد (قطاع الشمال) من حديث باسم الولايتين لا مصدر له أو مبرر، فأهل الشأن أولى به وهم الأدرى بمصالحهم وأحوالهم ووجودهم في حلبة المفاوضات يسند التفاوض عملياً ومنطقياً.
لكن، ولأن أحزاب المعارضة التي ترحب الآن بالحوار الوطني لأهداف وطنية عليا وملزمة، كانت لها من قبل صلة وخبرة بقطاع الشمال وقياداته عندما كان يجمع بينهما تجمع المعارضة الخارجية المعروف بـ (التجمع الوطني الديمقراطي) وبعده تجمع (أحزاب جوبا) بعد العودة.. يلزمها ممارسة ما يمكن ممارسته ضد القطاع سياسياً على الأقل. حيث أن السيد “عرمان” عندما يعلم أن الوضع في جمهورية السودان لم يعد لصالحه، شأن الحال الآن في جمهورية جنوب السودان، سيجد نفسه في حالة (توهان) لا بد له أن يخرج منها ويوصل الرسالة إلى حلفائه ومن يقفون خلفه في الخارج. وسيعين هذا الوفد الحكومي المفاوض في القيام بدوره كاملاً وعلى أحسن ما يكون الحال، أي أن أجندة “عرمان”، وهي غير مقبولة أو ممكنة بالصورة التي عرضها بها، تكون قد انهارت، ولم يبق أمام (قطاع الشمال) إلا أن يعيد ترتيب أوضاعه وتوفيقها، شأن الأحزاب السودانية المسجلة، ومنها تلك التي ترفض مبادرة الحوار الوطني أو تتأرجح إزاء ما يجري في الساحة. أو بعبارة أخرى لن يبقى لقطاع الشمال وقيادات غير:
– أولاً: وقف العمل بالسلاح وترويع المواطنين بـ (الكاتيوشا) – كما حدث قبل أيام.
– ثانياً: عدم الاستئناس بالغير أو الأجنبي دبلوماسياً وسياسياً كما كان يحدث في الفترة الماضية.
لا سيما وأن مثل ذلك النشاط والحراك الحزبي في ظل المتغيرات في الوقت الحاضر لم يعد مجدياً، وليس له ما كان يحصل عليه من معينات في السابق من دول الجوار، وبشكل خاص دولة جنوب السودان وحركتها الشعبية الأم. حيث المعلوم الآن الذي بات معروفاً أن (قطاع الشمال):
– فقد أمه الرؤوم الحركة الشعبية وجيشها الشعبي بعد التطورات الأخيرة في جمهورية جنوب السودان، حيث خسر (أولاد قرنق) الرعاية والضمان والأمان وصاروا من بعد معتقلين ومطاردين..!
– وخسر أيضاً دعم دولة “يوغندا” التي تتهم الآن بأنها تدير ملاحقات عسكرية لقوات “مشار” وحلفائه (أولاد قرنق).
هذا ما هو مطلوب وما يمكن أداؤه والحوار الوطني لم يخرج بعد من طور الترحيب والفأل الحسن الذي جعل البعض يرحب به بلا قيود أو شروط إلا الصدق والآلية الممتازة التي تفي بالغرض.
الأخ الأستاذ صاحب ذلك الرأي الاستباقي الذي كان يقف على الطرف الآخر مما قال أحد أبناء (النيل الأزرق) ومن أعضاء الوفد المفاوض، في برنامج الجمعة الإذاعي للأستاذ “الزبير عثمان”، نشكر له أن حرك فينا معطيات هذا (المشهد السياسي) اليوم، الذي جعلنا نصل الموضوع بما سبقه.. وقد كان بعنوان (قطاع الشمال ومرجعياته). ذلك أن الضغط على “عرمان” وقطاعه من قبل شركاء وداعمين في السابق، إذا ما تحقق، وهو ممكن ومتوقع، سيدعم المفاوضات المعلقة إلى حين، التي إذا ما تعسرت مرة أخرى ستكون لها توابعها غير الإيجابية سودانياً وإقليمياً وربما أممياً، وهناك القرار (2046) الصادر عن المؤسسة الأممية، وإن كان رئيس الوفد السوداني البروفيسور “غندور” قد أظهر جدية وحسن نية والتزاماً بمطلوبات التفاوض دون تفريط في حق أو واجب.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية