«عرمان» .. قراءة خاطئة !!
} عرمان رجلٌ يعرف ما يريد، ويعرف أكثر كيف يقرأ الساحة السياسية وأفكار وقدرات الذين يجلسون أمامه على طاولة التفاوض. لقد أدرك “عرمان” بحسه الماكر أن الساحة السياسية السودانية تمور، وأن حراكاً سياسياً وحواراً يدار في السر والعلن بين مختلف القوى السياسية السودانية.. ولكن قراءة أفكار “عرمان” لخطاب الرئيس حول وثيقة الإصلاح الشامل الذي أنتج هذا الحراك السياسي يبدو أنها قراءة عكسية، حيث رأى – في ما يرى النائم من أضغاث أحلام – أن الإنقاذ كالأسد الجريح بعد أن كان مزمجراً، وأنه قد وهن العظم منه واشتعل رأسه شيباً، وكان بدعاء القوى المناوئة له في الداخل والخارج شقياً، وها هو الأسد الجريح يبحث له عن كوة في الظلام من خلال الحوار لكي يحفظ ماء وجهه.
} هكذا قرأ “عرمان” الخطاب والجو السياسي المصاحب له.. إذن لماذا لا يستثمر التفاوض حول المنطقتين ليس وفقاً لمرجعية القرار الأُممي رقم (2046) ولكن ليكون بديلاً للأسد الواهن؟! واستنتاج “عرمان” خلص إلى أن السيدين الإمام “الصادق المهدي” و”محمد عثمان الميرغني” والشيخ د. “حسن الترابي” قد بلغوا من الكبر عتياً، وكذا “فاروق أبو عيسى” الذي لا يسنده سوى حديث طويل ومستمر.. فمن البديل؟ إنه “عرمان” سليل الدوحة الشيوعية!!
} لم لا يحلم “عرمان” بالعظم طالما نال أشخاص لم يسمع بهم السودانيون جزءاً من اللحم فقط لحملهم السلاح؟ !فما بال “عرمان” الذي عرفه القاصي والداني وخابر وتخابر ووظف أبناء المنطقتين وقضاياهم، وأتى بالجبهة الثورية إلى جبال النوبة لتريهم فنوناً في القتل ما عرفها أسلافهم الطيبون، وقالوا للنوبة والقاطنين معهم لا نريكم إلا ما نرى؟! ولكن قصيري النظر السياسي يقولون وسيقولون إن حديث “عرمان” عن مؤتمر دستوري وحكومة انتقالية لمدة عامين ثم انتخابات لتأتي بحكومة أخرى، وبعدها ستنظر في أمر المنطقتين، يقولون إن ذاك من باب رفع سقف المطالب.. ومن يهن يسهل عليه الهوان.
} إن القائلين بهذا القول حلقة من حلقات التآمر.. إنهم زمرة (العرمانيين) ولكن يتدثرون بلباس (أخضر) من شجرة الوطني، تحسبهم كذلك في مظهرهم، وفي قرارة أنفسهم يرون أن الشجرة قد يبست بعد أن أينعت سنين عدداً وأكلوا من ثمرها، ولكن الآن حان أوان سقوطها ولا تحتاج سوى برهة من الزمن ليس إلا، لذا يتوددون إلى سليل الدوحة الشيوعية ويهيئون له الناس لكي يدخلوا في دينه أفواجاً وزرافات ووحدانا، عسى ولعل أن ينجيهم ذلك الصنيع من عذاب يومٍ محتمل.. لا أدري لماذا تذكرت الأستاذ “الطيب مصطفى” في هذه اللحظات رغم اختلافنا معه في المنهج، ولكن الرجل يجد احتراماً في نفسي لمواقفه المبدئية، حيث لم نقرأ له حديثين مختلفين، فالرجل لا يمسك العصا من المنتصف.
} أخي بروفيسور “غندور”، وأنت سيد العارفين أن التفاوض علمٌ يدرس في المعاهد العليا والجامعات، وليس اجتهاداً لكي يتطلب موازنة ومحاصصة سياسية ليركب سفينتها من لا يفرق بين حكومة انتقالية أو قومية وأخرى حكومة تسيير أعمال.. لماذا لا يتبجح “عرمان”؟! أخي “غندور”.. هكذا قرأ الثعلب الماكر.
} لقد كتبنا من قبل أننا نرى شجراً يسيرـ وبعده بسويعات رأيناهُ كذلك بـ “أبو كرشولا”، وعُلق “عبد الرحمن” المسلوخ على شنكل جزارته ليكون عبرة لمن لا يعتبر، ووصلوا “أم روابة” فارتجف البعض في الخرطوم وأيقن أنها النهاية، وتبسم “آل عرمان” في الداخل سراً.. لقد كتبنا من قبل أن من يأمل من “عرمان” سلاماً كأنما يأمل بأن يلج الجمل من سم الخياط، أو تشرق الشمس من المغرب!!
} إن “عرمان” حقق لي ما لم أره تحت ظل أرجلي فلما لا أشكره.. لقد أثلج صدري وأطلق رصاصة رحمة في وجه أولئك الذين يكثرون الحديث عن سلام ظاهر ومآرب أُخرى في الباطن، وأن لا فرق بين قطاع الشمال وأبناء المنطقتين أو أن يقود الوفد “عرمان”!! فهؤلاء يدركون جيداً أن هدفهم ليس سلاماً وإنما حسابات سياسية يدركونها ونحن نعلمها أقلها إقصاء أبناء المنطقتين.. إننا عندما نقول يجب أن يكون البحث عن السلام من خلال أبناء المنطقتين، يقول آخرون متدثرون بمظلته إنه لا فرق في الحوار بين “عرمان” وأبناء المنطقتين.
} على الحكومة أن تتحاور مع أبناء المنطقتين سواء أكانوا من حملة السلاح أو في المنافي البعيدة. لقد سبق أن تمت دعوة “محمد أبو عنجة أبو رأس” و”أمين بشير فلين” و”أزرق زكريا”، وبعد عودتهم كنا نأمل أن تتواصل الدولة معهم في الحوار، ولكن يبدو أن حاملي أغصان الزيتون غير مرغوب فيهم.
} علينا البحث عن سلام حقيقي ومستدام من خلال آلية تتحاور مع أصحاب الوجعة، حاملي سلاح وغيرهم، لكي ينخرطوا في العملية السلمية.. على الدولة إيلاء أهمية قصوى لأولئك الذين يودون الانخراط في العملية السلمية سواء أكانوا أحزاباً أم أفراداً حتى يكون ذلك دافعاً للآخرين، وليس الركون إلى تقييمات آخرين بالداخل بأن زيداً أو عبيداً لا فائدة فيهما، فأهل المنطقتين أهون من “عرمان” الذي ينظر إلى عظم السلطة، ويجب التمحيص في جوقة المتسالمين فكلٌ لديه غرضه وحلمه ومبتغاه، فقميص “عثمان” لم يعد حكراً لـ”عرمان” وحده وإنما آخرون هنا يلبسون ملابس ويتحدثون بألسن شتى.
} اللهم هل بلغت اللهم فأشهد.