تقارير

جولة التفاوض القادمة بين الحكومة وقطاع الشمال.. البحث عن منطقة وسطى!

لم يكن مفاجئاً لمعظم المراقبين إعلان الرئيس الجنوب أفريقي السابق «ثامبو أمبيكي» رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى التي تتولى الوساطة بين حكومة السودان وقطاع الشمال بالحركة الشعبية في مفاوضات حول منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، لم يكن مفاجئاً إعلانه رفع المفاوضات، وبالتالي إعلانه فشل الجولة التي بدأت في الثالث عشر من الشهر الجاري، على أن تستأنف بملحق في محاولة لإنقاذها من براثن شيطان الفشل الذي يتهددها بعد عشرة أيام في 27 فبراير الجاري.
«أمبيكي» في الجلسة الختامية للمفاوضات، في حديثه المقتضب والقصير قال إن الوساطة بعد أيام من بدء التفاوض والحوار بين الطرفين وتقديم كل طرف لورقته وتصوره التفاوضي، قدمت تصورها للجانبين، وقررت رفع المفاوضات لمدة عشرة أيام حتى يتمكن كل طرف من التشاور والتفاكر ليعودا بعدها لاستئناف التفاوض، وقدم تصوراً حاول من خلاله التوفيق بين الورقتين المقدمتين من طرفي النزاع، وحدد نقاطاً معينة تركزت في الجانب الإنساني ووقف إطلاق النار الشامل، وجدد التأكيد على أن التفاوض مقصور على قضايا المنطقتين، وتكوين ثلاث لجان لمناقشة الملفات الثلاثة الأمني والسياسي والإنساني، على أن يكون ذلك مدخلاً للتشاور في القضايا العامة، فيما رهن أية قضية أخرى مثل المؤتمر القومي الدستوري بالحوار بين القوى السياسية السودانية.
الروح العدائية والتصريحات المتبادلة بين طرفي النزاع قبل الجلوس إلى طاولة التفاوض، كانت بمثابة البدايات غير المبشرة في الوصول إلى حلول ناجعة في المنطقتين اللتين عانتا من الحروب المتفرقة بين الجبهة الثورية والقوات المسلحة وأنتجت أزمات إنسانية وأمنية تتصاعد يوماً بعد آخر، ففي أثناء جولة التفاوض اتهم الوفد السوداني المفاوض رصيفه من الحركة الشعبية بالخروج عن أزمة المنطقتين، والدفع بقضايا لا تمت بصلة إلى جذور المشكلة ومرجعياتها ومحاورها التي حددتها الوساطة الأفريقية.
وقال بيان أصدره الوفد الحكومي، إن الطرفين اجتمعا في الموعد المحدد إلا أنهم تفاجأوا بالروح العدائية واللهجة النافرة لرئيس الوفد «ياسر عرمان» في بداية الاجتماع.
وطبقاً للحكومة، فإن «عرمان» أشار إلى أن مرجعية القطاع في التفاوض مؤسسة على الاتفاقية الموقعة في الثامن والعشرين من يونيو 2011م والمعروفة باتفاقية (مالك – نافع) وأن الحركة لا تعترف بأية مرجعية غيرها ولا نقاش بخلافها، بجانب عدم الاعتراف بالاتفاقية الخاصة بالشأن الإنساني الموقعة بين الطرفين والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، وقال إنها لا تعنيهم، وليسوا مستعدين لمناقشتها والحديث عنها، كما طالب بفتح المعابر لكل المواقع وكل الوسائل دون قيد أو شرط أمام كل المنظمات دون تدخل الحكومة، بينما أكد وفد الحكومة أن موقفهم يرتكز على الالتزام بالقرار (2046)، وأن اتفاقية الشأن الإنساني الموقعة من الحركة عهد وميثاق ملزم لكل الأطراف، وأكد استعداد الحكومة والتزامها للدخول في تنفيذ فوري وفق نصوصها لإغاثة أي متضرر.
تلك الحالة من عدم الثقة التي كانت السمة الأبرز قبل خوض جولة التفاوض، كانت سبباً في أن لا تحقق هذه الجولة شيئاً يذكر في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، بسبب تمسك كل طرف بما يرى أنه ينطلق من مبدأ صحيح، وهو ما أشار إليه المحلل السياسي د. «الطيب زين العابدين» في حديثه لـ(المجهر) أمس، إذ قال إن الوساطة الأفريقية منحت الطرفين ورقة تعتقد أنها توافقية لدراستها والعودة مجدداً بعد عشرة أيام، وفي حال تم قبولها من الطرفين أو قربت الشقة الكبيرة بينهما يصبح هناك أمل في أن تستكمل حلقات التفاوض باتفاقية تنهي النزاع الدائر، أما في حال تمسك كل طرف بموقفه فسينتهي الأمر بفشل المفاوضات وتعود الحرب من جديد، مثلما ألمح وزير الدفاع «عبد الرحيم محمد حسين»، الذي أكد جاهزيتهم لحسم قطاع الشمال، ورجح د. «زين العابدين» أن انهيار المفاوضات سيكون هو الخيار العسكري وهو ما ستنتج عنه أزمات إنسانية وأمنية، وستزيد أعداد اللاجئين مثلما حذر والي جنوب كردفان.
{ مقترحات في طريق الحل
وقدم د. «الطيب زين العابدين» مقترحات قال إن من شأنها أن تجسر الهوة العميقة بين الطرفين أولها هو أن تعترف الحكومة بالحركة الشعبية كتنظيم سياسي، وتعود بالتالي إلى الخرطوم لممارسة العمل السياسي، وأن تطرح الحكومة قضية (القضايا القومية) التي تتمسك بها الحركة على أسس عامة، بينما تتم مناقشة تفاصيلها بعد العودة إلى الخرطوم في المؤتمر القومي الجامع، ودعا إلى إشراك الحركة الشعبية في إدارة المنطقتين وممارسة العمل السياسي، بينما دفع د. «الطيب زين العابدين» بحزمة اقتراحات قال إن على الحركة الشعبية أن تأخذها في الاعتبار حتى يتم تجاوز مرحلة عدم الثقة مع الحكومة، أولها أن تتخلى الحركة عن دعوتها لإسقاط النظام، بجانب أن تفك ارتباطها كلياً بالجنوب، مبيناً أن حكومة الجنوب نفسها رضيت بفك ارتباطها مع قطاع الشمال.
إن كان د. «الطيب زين العابدين» قد طرح عدة نقاط قال إن من شأنها أن تساهم في تقريب وجهات نظر الطرفين، فأستاذ العلوم السياسية د. «صفوت فانوس» رأي أن أية استحقاقات تمنح للحركة الشعبية قطاع الشمال يجب أن تكون جزءاً من الاتفاق بينها وبين الحكومة، مشيراً في حديثه لـ(المجهر) أمس إلى أن التنازلات التي يمكن أن تقدمها الحركة الشعبية تتمثل في إطار الحل التوافقي الذي قدمته الآلية الأفريقية رفيعة المستوى خارج أجندة المنطقتين، وأن يكون الحديث عنها في شكل مبادئ عامة في هذا المنبر، ومن ثم التفاوض حول القضايا التي تهم المنطقتين، وهو ذات الأمر الذي اتفق فيه معه د. «الطيب زين العابدين».
وتوقع د. «فانوس» أن تحدث جولة المفاوضات القادمة في السابع والعشرين من الشهر الجاري اختراقاً كبيراً في أجندة الحوار والحل السياسي للمنطقتين، إلا أنه حذر من أن انهيار التفاوض سيتبعه تحرك عسكري من جانب قطاع الشمال، حتى يصبح بمثابة كرت الضغط لصالحه.
{ جولة تحدٍ
يجب الآن وقبل الخوض في أي تفصيلات عن احتمالات نجاح محتمل لحل القضية في جولة التفاوض القادمة، أن يتم التركيز في كيفية تعزيز الثقة بين طرفي التفاوض التي بدا أنها كانت شبه منعدمة، وتجلى ذلك في التصريحات الساخنة المتبادلة بين الطرفين، ويبقى التحدي الأكبر الذي يواجهه الوفد الحكومي المفاوض هو تحقيق اختراق إيجابي في جولة التفاوض القادمة، لأن ذلك سينعكس إيجاباً على الحوارات التي يزمع الحزب الحاكم إجراءها مع بقية القوى السياسية والحركات المسلحة، وسيكون التوصل إلى اتفاق مع قطاع الشمال بمثابة كرت يظهر مدى جدية الحكومة في تحقيق محتويات خطاب الوثبة الذي أطلقه رئيس الجمهورية مؤخراً، وكان تحقيق السلام أبرز ما حواه، وقبل أن تعمل الحكومة على تحقيق ذلك عليها أن تسعى بداية إلى إقناع الحركة برؤيتها في اقتصار التفاوض على منطقتي النزاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية