سبغ.. سبغ!!
قاد المشير “عمر حسن أحمد البشير” رئيس الجمهورية (بنفسه) وفداً رفيعاً من قيادات البلاد السياسية والتنفيذية إلى مدينة (مقلي) الأثيوبية للمشاركة في احتفالاتها بذكرى يوم التحرير المقامة في عاصمة إقليم التقراي. و”البشير” حينما يفعل ذلك إنما يؤكد ويتمسك بوفائه لبلد حليف وقائد صديق هو الراحل “مليس زيناوي” الذي ارتبط بالسودان منذ العام 1975م إلى أن تسلّم الحكم ثم توفي.. وهي مسيرة خبر فيها الرجل خاصة في عهد الإنقاذ مسالك ودروب وعمق الروابط الرسمية والشعبية بين البلدين، وهي الميزة التي حصّنت العلاقات السودانية الأثيوبية من كثير من إشكالات وطارئات الأزمات.
بعد رحيل “مليس” وصعود رئيس الوزراء الجديد “ديسالين” مكلفاً، اتجهت بعض التفاسير إلى حالة من الإشفاق على مستقبل العلاقات وتخوف البعض من انتكاسة، إلا أن وعي القيادات بالبلدين عزز أواصر الترابط الرسمي فيما تظل مساحات العمل الشعبي والدبلوماسية الشعبية عالقة في نظريات حسن التمنيات والمقترحات التي لم يغادر غالبها منابر الخطباء في المنابر واللقاءات التي تفرضها سوانح انعقاد لجنة وزارية أو أي منشط يختص بالبلدين الجارين.
إن التواصل الإيجابي خارج الأطر الرسمية مع دول مثل مصر وأثيوبيا وجنوب السودان وإريتريا وتشاد وكامل النطاق الإقليمي المتاخم لحدودنا مهم، ذلك أن دبلوماسية الجوار هذه تحتاج إلى أنشطة أكبر حتى من محض التواصل عبر السفراء والبعثات الدبلوماسية، وثمة كثير من المشتركات تجمع شعوب المنطقة ويمكن التأسيس عليها لحالة من التواصل والوحدة لوجود قواسم الثقافة واللغة والتداخل القبلي، وتشابه فصول التاريخ وأنسجة الجغرافية مما يجعل من أي عمل مهما صغر داعماً للاستقرار الشامل في الإقليم. والسودان تحديداً يمكن أن يلعب دوراً محورياً في هذا، فهو القادر الآن على التقريب بين أثيوبيا وإريتريا، وبين أثيوبيا ومصر، وهذه دائرة اختصاص لن تنجح فيها حكومة وأمة مثلما يمكن للخرطوم أن تفعل.
لقد ظللنا حتى ملّنا السامعون ندعو إلى التواصل الثقافي، فهو وبكل اللغات واللهجات يفهم، وأقرب الأمثلة حالة الترقب الكبيرة التي تعيشها الخرطوم لحفل المطرب العالمي الأثيوبي “تيدي أفرو” التي أشرت إليها سابقاً في هذه السانحة، مما فتح لي آفاق الوقوف على أدق تفاصيلها التي نتركها لتقييم الحدث نفسه، الذي لن ينتهي دون الحديث عن مشروع اصطف له شباب ومبدعون من هذا البلد قدموا الهرم الكبير الراحل “محمد وردي” ليكرم كملك لأفريقيا، بل وإمبراطور، وهذه المرة بين ملايين الشعب الأثيوبي في أديس أبابا، وحتماً فإن مثل هذه الأنشطة أفضل وزناً وأثقل في ميزان دعم العلاقات الإقليمية من مائة مبعوث وعشرات الرسل.
إن الرئيس “البشير” يثبت في كل يوم أنه ربما يتقدم و(يشد الخطوة) في استيعابه لأهمية أن يلعب السودان دوراً وجدانياً، وأن يكون حاضراً في كل المواسم وكل الساحات، وأحس كثيراً والله أن “البشير” يمتلك رؤية دبلوماسية وسياسية ربما يفتقدها حتى المختصين بهذا الأمر.. وسترون غداً كيف يستقبل رئيس الجمهورية من المواطنين الأثيوبيين قبل الحكومة وكيف يودع!!