رأي

طريق الآلام .. المزايا في البلايا!!

} (إن شاء الله ما حارة).. (أوعى يكون الوجع شديد)!!
} بمثل هذه العبارات كثيراً ما يعبر الناس عن خوفهم من الألم المصاحب أحياناً لبعض العلاجات والتدخلات الطبية والجراحية، وقد يكون الخوف من الألم سبباً لإحجام الكثيرين عن عيادة النطاسين، وأن (يلوكوا الصبر) على أمراضهم وأسقامهم!!
} وكان من نعم الله على أمنا “حواء” وأبينا “آدم” عليه السلام، عدم الإحساس بالألم قبل أن يهبطا للأرض ويذوقا الضنك والتعب الشقاء، كما ظل يتجرعه الأبناء والذرية إلى هذه اللحظة وإلى يوم القيامة!!
} ونجد عند الكثيرين أن تحمل الألم يعتبر ضرباً من الفروسية و(الجعلنة) والثبات والصبر احتمال البلاء والرضاء بالقدر.. ونجد في ظاهرة (البطان) تراثاً ذاخراً في الصبر والشجاعة وتحمل الألم، حيث لا يأبه الشخص بضرب السياط وسط زغاريد الحسان وحفاوة الشيوخ.
} كما تغنى الشعراء والمغنون وعبروا عن أن الألم مرحب به ما دام فداء للمحبوب.. ولعل قائدهم في ذلك هو “أبو الطيب المتنبي”:
إن كان قد سرََّكمُُ ما قال حاسدُُنا
فمـــا لجــرح إذا أرضــاكم ألـمُُ
وسار على هذا النهج الكبار والصغار في مثل: (إنتي تبري من الألم).. (ألمي كلوا عشانك إنت).. (ما هماك عذابنا).. (عذبني وتفنن في الوان عذابي).. ورائعة (وردي) الأخيرة هذه نهديها لقادة المعارضة في بلادنا بمناسبة الفشل الذي ظل يلازمهم دوماً!!
} وكما قيل فإن النعم في النقم، والمزايا في طي البلايا.. لذا نجد أن للألم فوائد جمة من الناحية الطبية، من حيث أنه يكون أول المؤشرات لوجود (خطب) ما في الجسد. ومعلوم أن الألم يحدد موضع الداء والي أي جهة يمكن اللجو للعلاج، كما عبر عن ذلك أحد الشعراء الشعبيين ساخراً:
الراســو واجــــعو
تربطولوا كراعو!!
} وألم الضرس معلوم أنه حاد جداً، حتى قيل إن (الوجع ضرس)!! لدرجة أن بعض الأشخاص قد يكونوا في عجل من الأمر لدرجة عدم رغبتهم في البنج، ويتقبلون (الخلع) بصدر رحب للخلاص من ذلك الألم. وقد حكى لي أحد الأقارب أنه خرج ليلاً وهو حاف و(كداري) في ليلة ماطرة لخلع ضرسه.. وأقسم لي أنه لم يشعر بأية معاناة جراء البرد والمطر.. وأنه بعد الخلع نام إحدى أجمل وأريح الليالي في حياته!!
} كما قد تكون (الطعنة) في (الصدر والصفحة) أولى مؤشرات الذبحة الصدرية التي يعتبر الزمن العامل الحاسم فيها والفارق بين الحياة والموت، وكله بفضل الألم.. كما أن الحوامل يعتمدن على آلام المخاض لتحديد زمن الولادة حتى في غياب أجهزة الموجات الصوتية وأجهزة كشف الأجنة.. ولولا ذلك لقضى المواليد نحبهم في أرحام أمهاتهم وانقطع نسل البشرية وأصبح (مقطوع الطاري).. ولا ينفع بعد ذلك إغلاق الكباري ولا إعلان حالة الطوارئ!!
} وقد اشتهر ألم (الزايدة الدودية) لدرجة أن كل من عاني من ألم في الناحية اليمنى من البطن تجحظ عيناه خوفاً ما أن تكون (زايدة).. ويكون توزيع الألم ودرجته وزيادته من أهم عوامل التشخيص السليم.. وإلا قاد ذلك لالتهاب البريتون وما يعرف بـ (انفجار الزايدة) بكل نتائجه الوبيلة.. وما أكثر الانفجارات من البر والجو والتراب والماء والنار.. (هي بقت على الزايدة بس)!!
} فعلى الذين يرغبون في الحياة بدون ألم.. والولادة بدون ألم.. والجراحة بدون ألم.. وغيرها.. عليهم أن يعلموا أن الألم ليس شراً كله.. وأنهم يجب أن يتألموا قليلاً ليتعلموا ويصحوا يشعروا بفرحة المعافاة ويروا تاج الصحة الذي لبسوه طويلاً ولم يشعروا به لولا الألم.. وإننا كلنا نسير فعلاً ومنذ زمن.. كلٌّ في طريق آلامه.. وحتما سنصل للنهاية!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية