أخبار

شيزوفرينيا..!!

أستطيع أن أصف الحالة بأنها نوع من (التناقض الذاتي) أو ربما امتلاك وجهين اثنين وما يعنيه ذلك من اختلال في الملامح وتضارب في الرؤية.. هي شخصية (منفصمة) و(منشطرة) و(منقسمة) على نفسها ولا تكاد تقول (لا) حتى تسارع لتقول (نعم) ولا تسلك خطوة إلى الأمام إلا وتأتي بخطوة أخرى للخلف..!.
(الشيزوفرينيا) والتي تم تعريبها بـ(انفصام الشخصية) لم تعد ظاهرة فردية بل (مجتمعية) أيضاً، فهناك العديد من المظاهر والظواهر تؤكد أن (المجتمعات) أصابها هذا الداء والذي ظل مرتبطاً بالأفراد وفي ذلك ربما إشارة إلى اتساع انتشار هذا المرض ومن ثم قدرته السالبة على إحداث تأثيرات واسعة في المجتمع..!.
هل نتحدث مثلاً عن الشيء ونقيضه أو نسعى لفك شفرات العديد من الأسئلة المعقدة والصعبة والتي تشبه الألغاز؟! أم أن في ذلك أيضاً تحقق للحالة الانفصامية نفسها باعتبار أن (النقد الاجتماعي) دون القدرة على التحليل والتأويل هو أيضاً حالة مرضية نفسية، وإمعاناً في سؤال الظاهرة أليس ضرورياً أن نبحث عن (توازنات مجتمعية) مقاومة لفيروس الانفصام من خلال الدخول في منطقة (المسكوت عنه) وإطلاق سراح المكبوتات التي تغلف الكثير من أشكال التعامل اليومي..؟!.
وباختصار لماذا نصدم في الذين من حولنا؟! ولماذا نراهم بأوجه مختلفة وألسن متعددة.. لماذا يكذبون.. ولماذا يخلفون وعودهم؟! وهل أصبح كل ذلك علامة من علامات الحداثة والعصرنة والتمدن في ظل وصف آخرين بأنهم طيبون ومسالمون ومضحوك عليهم..!.
تحدثنا الوقائع عن أن (الالتزام) تجاه الآخرين لم يعد صفة متفق عليها.. وإنما الأصل هو (عدم الالتزام) من يضرب موعداً فهو لن يأتي في موعده وإنما بعده بساعة أو اثنتين وقد لا يأتي أصلاً.. ومن يستدين مالاً لا يرده في ميقاته وإنما بعد خروج الروح كما يقولون العامة ولم يعد مرعباً أن يكتب أحدهم (شيكاً) أو يرهن (بيتاً)، حيث لا يهم كثيراً أن يكون أحد نزلاء (يبقى لحين السداد) أو حتى يعدم في ميدان عام فالغاية هي أن يتحصل على ما يريد أولاً وبعد ذلك فليذهب الآخرون إلى الجحيم وليكن هو أولهم..!.
هل هو استخفاف أم أن القضية بالفعل هي (شيزوفرينيا) أصابت الناس وجعلتهم لا يكترثون بقيمة الوفاء والالتزام؟! وماذا عن الصورة السلوكية نفسها والمعايير الإنسانية التي تتساقط كأوراق الخريف في شتاء زمنية مادية ضاغطة أصبحت لغة المصالح هي التي تتحكم فيها وتحدد لها البدايات والنهايات.. في مجتمع كان حري بالقيم والمثل ووفي حتى النخاع لصورته المستقرة والواضحة و(الراكزة)..!.
الشكاوى عديدة والأمثلة مختلفة والنتائج في أحايين كثيرة لا تفضي إلى (التوازن) المفترض و(الثبات) المرجو في ظل موجة قاهرة تسحق إرثاً إنسانياً بكامله وليس من ذريعة حتى ولو كانت باسم (العولمة) أو حتى الضغوط الاقتصادية يمكن أن تكون مدخلاً لهذا الترهل السلوكي والاختلال القيمي الذي معه تلاشت ملامح وجه أصيل ظل يضئ في عتمة المكان والزمان ويؤسس لـ(هوية) لا تعرف (شبهات العصر) التي استقوت على نحو مرعب يجعلنا نتحدث بصوت خافت عن انتشار الـ(شيزوفرينيا) والتي لم تعد انفصاماً للشخصية الواحدة وإنما انفصاماً اجتماعياً يحتاج للمراجعة والمعالجة..!.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية