أخبار

شهادة "ستافورد"!!

(في خلال الثمانية عشر شهراً الماضية، أنا وزوجتي كنا نسعد عندما نطلق على السودان وطننا الثاني. في كل مكان سافرنا إليه في جميع أنحاء البلاد، كان الناس يرحبون بنا ويعربون عن اهتمامهم العميق بالولايات المتحدة الأمريكية. هذا ليس فقط في ولاية الخرطوم؛ لقد رأيت هذا في دارفور، الجزيرة، سنار، نهر الني، وكذلك في ولاية البحر الأحمر. أخبرنا الأصدقاء الذين عملوا في السودان أن السودانيين من أكثر الشعوب وداً في العالم، ووجدنا فعلاً أن هذا صحيح منذ اليوم الأول من وصولنا)؟
هكذا أورد السفير “جوزيف ستافورد” القائم بأعمال السفارة الأمريكية بالخرطوم الذي تقاعد وسيخلي منصبه لآخر يخلفه، أورد شهادته في حق السودان والسودانيين. “ستافورد” قيل إنه أسلم، فيما قال آخرون إنه لم يسلم.. لكن الراجح حسب شواهد ومؤشرات عديدة أن الرجل قد هدي إلى الطيب من القول. ومن بين سطور مقال رصين خطه اطلعت عليه مترجماً، بدا لي وكأن الرجل يغالب دمعه الذي هطل وسال في لحظات وداعه لبعض معارفه وأصدقائه السودانيين. وبغض النظر عن جدلية إثبات إسلامه من عدمها، فإن الجانب الآخر في هذه الواقعة يشير إلى أن الدبلوماسي الأمريكي العتيق استكشف جيداً هذا الشعب وعرف معدنه وأدرك– وآمل ألا يكون متأخراً– أن بلاده ربما ظلمت بلادنا وشعبها.
قيمة هذه الشهادة النزيهة أنها تدعو السودانيين إلى اكتشاف أنفسهم، ووضعها في مقامها الصحيح فما كل الأمر فقط من يحكم وكيف يحكم، ثمة مقياس آخر هو حراك الشعب وتطواف الناس بين معاشهم وحياتهم، في السكون والحركة.. هذه مساحة للبحث والإشهار من قبل ذواتنا الوطنية، وقبل أن يأتي غريب وأجنبي ليحتفي بنا فننتبه إلى أننا رائعون، طيبون، مسالمون، حضاريون!! وصحيح أن شهادة الآخر لك ولصالحك أثقل في موازين البيانات، لكن هذا يجب ألا يردنا عن إخراج درر مجتمعنا، ولهذا كنت وسأظل على ثقة ويقين بأن أعظم ما في هذا البلد شعبه وناسه، وهؤلاء مرهم يبرئ كثيراً من علل واقعنا السياسي والاقتصادي وإن عظمت الجراح.
ما استخلصه من شهادة الدبلوماسي الأمريكي المنصرف، أن ما كل الغرباء، جماعات من الشياطين والطغاة المخربون، لدى بعضهم روح إنسانية حرة، ومشاريع اهتداء.. وأسلم “ستافورد” أم لم يسلم فإنه الآن في تقديري أقرب من أي وقت مضى للإسلام بعد أن اختبر واقعاً وتعايشاً المسافات الرابطة بين تدين الناس وواقع عيشهم. لا أظن إطلاقاً أنه ركز على المكتوب والمدون، لقد استفاد حتماً الرجل من الاحتكاك والتواصل المباشر والتطواف بين العمائم واللحى، وسلك سلوك القوم وتأمل وتدبر في (محمد أحمد) البسيط هذا.. مسلم وسطي القول والفعال.. كريم تدين وعرف.. مسامح متسامح، فكانت الخلاصة حالة “جوزيف ستافورد”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية