تفاصيل خطاب وداع السفير الأمريكي للشعب السوداني بعنوان (في كل حركة بركة)
بعد المعلومات الكثيفة عن إسلام الرجل الأمريكي المحب للشعب السوداني والطرق الصوفية وبخاصة الطريقة القادرية، فاجأ السفير الأمريكي المستقيل “جوزيف ستافورد” السودانيين بما يمكن أن يطلق عليه أبرز تقاريره الدبلوماسية التي بعث بها لإدارته في “واشنطن”، وهو ما كان غير معروف على نطاق واسع جداً، بل ربما يكون الفهم لدى كثير من الدوائر أن ما يصل إلى الإدارة الأمريكية هي صور سالبة وقاتمة عن حقيقة الأوضاع في السودان، بينما يرى مراقبون أن السفير تحدث عن الشعب السوداني لا عن حكومته التي ما زالت على قائمة الدول غير الصديقة لبلاده.
ومن المتوقع أن يغادر “ستافورد” اليوم عائداً إلى بلاده بعد أن أنهى مهامه في السودان التي قدم إليها في “يوليو” من العام (2012)، وبدا الرجل مختلفاً عن من سبقه، ولفت إليه الأنظار بزياراته المتكررة لمسايد الطرق الصوفية ولقاءاته بمشايخ وخلفاء هذه الطرق بعد أن عبر عن اعتزازه بهم وقال إنهم يمثلون قيم التسامح ووسطية الإسلام بعد أن ظلت بلاده تؤكد على أن مشاكلها ليست مع الدين الإسلامي، إنما مع من تصفهم بـ (الإسلاميين الراديكاليين) الذين يتبنون العنف كمنهج، وهو ما دفع بلاده لتبني حملتها ضد الإرهاب.
كل هذا دفع بعض المراقبين لتفسير خطوات السفير الذي ألبسه الصوفية شالهم الأخضر، مع تأكيداته هو في كل تلك الزيارات على المطالب الأمريكية لحكومة الخرطوم والمتمثلة في الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الأديان وحل قضية دارفور والمنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق، وغيرها من المطالب، ليودع السودانيين بالأمس برسالة للشعب السوداني عنوانها (في كل حركة بركة) كشفت الكثير.
ووصف “جوزيف ستافورد” في كلمته الوداعية السودان بـوطنه الثاني، وقال (نسعد عندما نطلق على السودان وطننا الثاني)، وزاد: (في كل مكان سافرنا إليه في جميع أنحاء البلاد كان الناس يرحبون بنا ويعربون عن اهتمامهم العميق بالولايات المتحدة الأمريكية، هذا ليس فقط في ولاية الخرطوم؛ لقد رأيت هذا في دارفور، الجزيرة، سنار، نهر النيل، وكذلك في ولاية البحر الأحمر). وزاد: (أخبرنا الأصدقاء الذين عملوا في السودان أن السودانيين من أكثر الشعوب وداً في العالم، ووجدنا فعلاً أن هذا صحيح منذ اليوم الأول من وصولنا).
السفير الأمريكي عبر عن مشاعره وهو يغادر السودان بولهٍ (للأسف، الآن، أنا وزوجتي، سنغادر هذا البلد الجميل بسبب التزامات شخصية، ولكن حبنا للشعب والثقافة السودانية سيستمر، سنواصل الاستماع للموسيقيين السودانيين المفضلين لدينا، مثل “ود الأمين”، “البلابل”، “صلاح براون”، “محمد علي” من فرقة (سودان روتس)، وعقد الجلاد، كما آمل حقاً في أن تأخذ زوجتي معها وصفات طهي الشية والعصيدة).
وقال “ستافورد” إنه تعلم الكثير من لقاءاته بمختلف الطوائف الدينية مسلمين وغير مسلمين بقوله: (عن جولاتي بأنحاء السودان كنت محظوظاً لكوني تمكنت من التجول في أنحاء هذا البلد العظيم واجتمعت بأشخاص من جميع مناحي الحياة.. القادة السياسيين ونشطاء من المجتمع المدني وزعماء الدين، رجال الأعمال، الطلاب، المعلمين، الموسيقيين، الفنانين، والأطباء. وألهمني فخرهم بالسودان واهتمامهم بالولايات المتحدة والطريقة التي يثيرون بها أوجه التشابه القوية بين بلدينا كمجتمعين متنوعين تتعدد فيهما الثقافات، ويعتزان بتراثهما).
وفي مؤشر مهم آخر أضاف: (من المعروف عن الشعب السوداني على مر التاريخ هو تسامحه الديني، ونأمل أن تبقى هذه السمة الإيجابية قوية، والحرية الدينية هي مبدأ في غاية الأهمية في الولايات المتحدة والقيمة التي ندعو لها في جميع أنحاء العالم على هذا النحو. لقد جعلت مقابلة كل الطوائف الدينية في السودان، سواء مسلمين أو غير مسلمين، إحدى أولوياتي، و تعلمت الكثير من هذه اللقاءات).
وبالنسبة لدعم الحريات الأساسية في التعبير والصحافة في البلاد قال “ستافورد “: (سنحت لي الفرصة لزيارة أكثر من اثني عشر مقراً لوسائل الإعلام، وأجرت السفارة الأمريكية العديد من ورش العمل الصحفية، بالإضافة للتدريب في الرصد الصحفي في مجال حقوق الإنسان مؤخراً لأكثر من (200) صحفي من الوسائل الإعلامية كافة.. وقد قال الرئيس الأمريكي الأسبق “توماس جيفرسون” منذ (200) عام إن الصحافة هي أفضل أداة لتنوير عقل الإنسان، وتطويره عقلانياً، أخلاقياً، و اجتماعياً.
وبالرغم من أنني مغادر السودان – والحديث ما زال للسفير الأمريكي – لا أزال متفائلاً حول مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والسودان لأسباب عديدة، على الرغم من التحديات التي تواجه علاقتنا، ويظل الشعب الأمريكي في انخراط عميق مع الشعب السوداني، وقد كان دائما هدفي جلب المزيد من الأمريكيين إلى السودان وإرسال مزيد من السودانيين إلى الولايات المتحدة في إطار التبادلات الثقافية، والتعليمية، والمهنية، لذلك أنا مسرور جداً أنه خلال فترة وجودي في السودان سافر ما يقارب (70) مشاركاً سودانياً للولايات المتحدة، ونعمل أيضاً على إعادة تشغيل برنامج (همفري) للزمالة بعد توقف دام أكثر من (17) عاماً، ورتبنا أيضاً عدة زيارات للسودان من قبل متخصصين أكاديميين وثقافيين أمريكان)..
وتعهد السفير الأمريكي المستقيل بالعمل جاهداً كما قال (لمواصلة تنفيذ التبادلات الأكاديمية بين بلدينا وبالتالي القضاء على الحواجز التقنية للطلاب السودانيين لإجراء امتحانات القبول والتقديم للجامعات الأمريكية،و أنا مسرور لفتح ثلاث مساحات ثقافية أمريكية للتبادل الثقافي في السودان: مركز (هيلين كيلر) للتعليم الذاتي، وقاعة الدكتور “مارتن لوثر كينغ جونيور” للقراءة، وكلا المركزين في جامعة الخرطوم، ويوجد لدينا ركن أمريكي في مدينة بور تسودان. وهذه بمثابة منصات لبرامج ثقافية وكموارد لشعب السودان للوصول إلى معلومات عن الولايات المتحدة). وزاد: (يحدوني أمل عميق ومستمر أن جميع الأطراف سيأتون معا لإيجاد طريق نحو السلام في دارفور والمنطقتين. وأنا أعلم أن الولايات المتحدة ستواصل وقوفها إلى جانب الشعب السوداني، من خلال دعمنا لجهود حفظ السلام، وذلك عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وهي أكبر الجهات المانحة في العالم من المساعدات الإنسانية إلى السودان. ونحن حريصون علي تقديم المساعدة الإنمائية، مثل مشروع إعادة تأهيل سد طويلة بتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وكنت مسروراً جداً لإطلاق هذا المشروع، الذي يحسن حياة أكثر من (70) ألف شخص في شمال دارفور من خلال زيادة فرص الحصول على المياه للشرب والزراعة، وتربية الحيوانات، والأنشطة الاقتصادية الأخرى، في الوقت نفسه يساعد في حماية المجتمع في مدينة طويلة خلال فترات الجفاف والفيضانات).
وختم السفير رسالته بكلمات مؤثرة حينما قال: (أنا وزوجتي كنا محظوظين لمقابلتنا الكثير من الأشخاص الرائعين في جميع أنحاء السودان، والذين يحملون نفس الرغبة القوية لتحسين مجتمعاتهم المحلية).
وقال: (سنتذكركم أنتم وبلادكم المؤثرة دائماً، وأنا متأكد أنكم ستستمرون في جهودكم من أجل إنشاء حياة أفضل، تماماً كما تقولون “في كل حركة بركة”).