قبول المعارضة دعوة (الوطني) للحوار.. (أيه آخرة جفانا)؟؟
إذا مثل حضور الدكتور «الترابي» لخطاب الرئيس «البشير» بقاعة الصداقة (الاثنين) الماضي المفاجأة الكبرى، فإن قبول قوى الإجماع الوطني (اليسار) أمس بالجلوس على طاولة واحدة للحوار مع الحكومة، يمثل المفاجأة الأكبر خلال اليومين الماضيين. ولعل قراءاتها لمسار الأوضاع الداخلية والخارجية هي ما دفعها لذلك التحول المفاجئ، وإن حاولت بعض تياراتها أن تقطع الطريق أمام التقارب أو فلنقل الحوار بين المؤتمر الوطني وفصائل قوى المعارضة ممثلة في حزب الأمة القومي برئاسة الإمام «الصادق المهدي»، والمؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور «حسن الترابي».
{ رسائل الوطني
والناظر إلى الخطاب السياسي للمؤتمر الوطني والمعارضة خلال الأيام الماضية التي أعقبت خطاب الرئيس «البشير»، يلحظ أن كلاً منهما يرغب في تقديم تنازلات دون أن تؤثر على تماسك عضويته وجماهيره، ووضح ذلك من الكلمات التي رددها نائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب، مساعد رئيس الجمهورية البروفيسور «إبراهيم غندور» حينما قال إن دعوات حزبه للحوار الوطني مع المعارضة لا تأتي من موقف ضعف، كما أن المعارضة حافظت من خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد أمس بدار الحزب الشيوعي على سقفها الداعي لإسقاط النظام، ولكن في كلا الخطابين يلاحظ أن كلا الفريقين يتحسس نبض الآخر في الفترة التي تسبق الحوار المباشر أو حتى إعادة تشكل التحالفات خلال الفترة المقبلة.
(الثلاثاء) الماضي أرسل المؤتمر الوطني المزيد من الرسائل لقوى اليسار، تحديداً في تحالف المعارضة، وذلك حينما رد «غندور» على ما أثاره الحزب الشيوعي عن عدم وصول الدعوة إليه لحضور اللقاء مع الرئيس «البشير» إلا في وقت متأخر، حيث قال «غندور» حديثاً وجهه في ظاهر القول إلى فصائل أخرى، ولكن ما وراءه كان واضحاً أنه موجه بشكل أكثر دقة إلى قوى اليسار التي لم تحضر الخطاب، حيث قال: (السياسيون الذين حضروا اللقاء لو لم يعرفوا أن هناك ترتيبات مهمة سيتم الإعلان عنها لما حضروا)، وأتبع «غندور» تلك الكلمات بعبارات أخرى، تحمل أمنيات عامة حينما قال: (نتمنى أن لا يعزل أحد نفسه من الفعل السياسي ومن المشهد السياسي).
{ قبول ورفض
حالتا القبول والرفض لمبدأ الحوار أو ممارسة تكتيكات الأسقف التفاوضية وفنون الاشتراطات، هي ذاتها التي ستؤدي إلى ظهور تشكيلات جديدة في ملعب السياسة المليء بالحفر والمنعرجات، وربما بوادر تلك التشكيلات بدأ البعض يقرأها عند ظهور «الترابي» في قاعة الصداقة عشية خطاب الرئيس «البشير»، وقبلها عند اللقاءات الثنائية المستمرة بين الرئيس «البشير» والإمام «الصادق المهدي».
تلك اللقاءات في مجملها أثارت شكوك البعض، وجعلتهم يتحسسون مواقعهم خوفاً من تدحرجها إلى الوراء في بورصة السياسة غير مأمونة الجانب، وربما يقرأ البعض حضور «الترابي» من زاوية أنه جاء لأحد سببين أو كلاهما، وربما يكون خوفاً من ظهور نتائج متقدمة للتقارب بين الوطني والأمة وتحول ذلك إلى تحالف انتخابي في الانتخابات المقبلة. وقطعاً ذلك سيكون خصماً على المؤتمر الشعبي، كون خطاب الحزبين في مرجعياتهما لا يخالف الشعبي.. أما القراءة الثانية فربما تعود إلى رغبة الشعبي «الترابي» في الاستفادة من التغييرات الأخيرة التي حدثت في الحكومة وخروج كبار رموزها، وربما ذلك جعل «الترابي» ينظر إليها كفريسة سهلة يمكنه العودة إلى كابينة قيادتها ولعب أدوار من داخلها، أو العمل على تفكيكها بأدواتها المتناقضة ذاتها.
تحالف قوى الإجماع الوطني المعارض يجمعه العداء للمؤتمر الوطني، ويفرقه الفكر واختلاف المذاهب والوسائل، وبدا ذلك واضحاً بعد خروج أو تباين مواقف حزب الأمة القومي مع التحالف، واستمرار القطيعة بينه وبين الكثير من مكونات التحالف، كما أن وجود المؤتمر الشعبي بداخله مع الحزب الشيوعي يشابه من يريد أن يجمع بين البيض والحجارة في سلة واحدة، رغم تأكيد الشعبي المستمر على أنه والشيوعي قد تجاوزا خلافاتهما التاريخية، وأن ما يجمع بينهما أكبر مما يفرق. لكن ذلك الواقع يجعل التيارات الفكرية في التحالف تنظر إلى خطوة حضور «المهدي» و»الترابي» لخطاب الرئيس «البشير» على أنها تمثل خطوة في طريق التحالف الأيديولوجي (الإسلامي) من خلال الانتخابات المقبلة.
في جانب آخر، يبدو واضحاً أن الحديث المستمر عن رفض مبدأ الوصول إلى السلطة بالقوة، الذي ظل يردده زعيما الأمة والشعبي، يشكل أيضاً زاوية للنظر تكشف عن مخاوف عميقة للرجلين «المهدي» و»الترابي» أو فلنقل الحزبين. وتلك المخاوف تنبع من كون المرجعية التي تقوم عليها جميع الحركات المسلحة في دارفور أو في المنطقتين باستثناء حركة العدل والمساواة تتبنى طرحاً علمانياً، كما أن خطابها ونظرتها للقوى المدنية في الداخل لا تفرّق كثيراً بين المؤتمر الوطني أو الشعبي، أو حتى حزب الأمة، ما يجعل تلك القوى لا تتحمس لوصول الخيار المسلح إلى مبتغاه من إسقاط الحكومة بقوة السلاح، لأنه في تلك الحالة سيقصي القوى السياسية المدنية أو سيتعامل معها كما فعلت الحركة الشعبية بعد توقيع اتفاق السلام الشامل.
{ فرص السلام
وهناك من يعقدون أملهم على وصول حملة السلاح إلى سدة الحكم على ظهر الدبابات، وذلك يجعل مواقفهم من الحوار مع المؤتمر الوطني لا تمضي إلى الأمام كثيراً، بل تعلوها الريبة والشك المتبادلين، ولكن بالنظر إلى الواقع الإقليمي والدولي من قضيتي دارفور وجبال النوبة يمكن القول إن خطوات السلام فيهما ربما لن تكون طويلة، سيما وأن الحوار بين الحكومة وقطاع الشمال سيبدأ رسمياً حسب ما وجهت الوساطة الأفريقية برئاسة «أمبيكي» الدعوات إلى الطرفين في يوم السابع من فبراير المقبل بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، ويأتي ذلك في أجواء الدعوات للسلام التي حملها خطاب رئيس المؤتمر الوطني الأخير، وربما الحوار مع المعارضة، الذي قال «غندور» إنه بدأ فعلياً عقب خطاب الرئيس، وربما يتطرق إلى رؤية تشارك في المعارضة أو حزبي الأمة والمؤتمر الشعبي وتحملها الحكومة حول قضية السلام سواء في منبر أديس أبابا أو الدوحة مع حركات دارفور.
أما في قضية دارفور، فبالأمس اتفق الرئيسان السوداني «عمر البشير» والتشادي «إدريس دبي» على تفويض مجموعة من أبناء دارفور للاتصال بالحركات المسلحة غير الموقعة على اتفاق الدوحة لسلام دارفور أو غيره من الاتفاقيات التي وقعتها الحكومة مع الحركات في ملف سلام دارفور، وذلك الاتصال يأتي بعد المؤتمر الشهير الذي عقده أبناء قبيلة الزغاوة في منطقة (أم جرس) التشادية بحضور الرئيس التشادي «إدريس دبي»، الذي أرسل من خلال المؤتمر رسائل متعددة لحملة السلاح في دارفور، بل ووضع أمامهم خياري السلام أو مواجهة الحسم عبر الحكومة السودانية، وقال في ذلك المؤتمر مخاطباً الحركات: (إن من يريد السلام سنكون مسهلين له لأجل الوصول إليه والتفاوض حوله)، وبعد ذلك تأتي أنشطة آلية (أم جرس) التي يرأسها وزير العدل «محمد بشارة دوسة»، التي تمكنت من توحيد عدد من المبادرات التي كان يقودها أبناء دارفور للاتصال بالحركات لأجل السلام، ومن بينها المبادرة التي كان يقودها القيادي بالمؤتمر الوطني «صديق ودعة»، حيث تمكن الرجلان ومعهما آخرون من توحيد رؤاهم وخطواتهم للاتصال بالحركات والحوار معها كأبناء لدارفور والبحث عن حلول للمشكلة.
وفي اتجاه آخر، تأتي الاتصالات التي قادها رئيس البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي (يوناميد) بدارفور «محمد بن شمباس» مع رافضي وثيقة الدوحة، حيث تمكن الرجل من مقابلة قادة الحركات المسلحة أكثر من مرة بـ(أروشا) والعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وأعقبت تلك الجهود تصريحات صريحة من عدد من قيادات الحركات المسلحة رحبت بانضمامها لعملية السلام ولم تمانع الحوار مع الحكومة، ومن بين المرحبين «أركو مناوي» والدكتور «جبريل إبراهيم»، بينما ظل «عبد الواحد» متمسكاً بموقفه الذي وصفته آلية (أم جرس) بأنه متعنت.
{ تدخل «البشير»
خطاب الرئيس «البشير» الذي ألقاه (الاثنين) الماضي تطرق إلى قضية السلام كواحدة من محاور الوثبة التي أعلنها، بل ووجه فيها الدعوة إلى قوى المعارضة للمشاركة في عملية السلام من خلال وضع الرؤى وإعلاء مصلحة الوطن دون ممارسة تكتيكات العمل السياسي، وربما ذلك مقروناً مع الموقف الذي أعلنته حركة العدل والمساواة الموقعة على اتفاق الدوحة لسلام دارفور برئاسة «بخيت دبجو» الأسبوع الماضي، المتعلق بتعليق نشاطها في الحكومة بسبب عقبات تواجه تنفيذ الاتفاق، هو ما أدى إلى تدخل الرئيس «البشير» والجلوس مع قادة العدل والمساواة برئاسة «دبجو» وتعيين الأخير مستشاراً بديوان الحكم اللا مركزي، مع معالجات أخرى تحافظ على وجود الحركة في كابينة السلام، ما جعل نائب رئيس الحركة، رئيس اللجنة المكلفة بتنفيذ الاتفاق مع الحكومة السودانية «التوم سليمان»، يقول إن الرئيس «البشير» وجه بتسريع تنفيذ الاتفاق الموقع مع الحركة دعماً لمسيرة سلام دارفور، وإن اللقاء حل المشاكل كافة المتعلقة بتنفيذ اتفاق السلام، وتجاوز العقبات المتعلقة بتنفيذ الاتفاقية من جذورها.
وفي اتجاه آخر غير بعيد، أعلن الاتحاد الأوروبي توجيهه الدعوة إلى الصحافيين لحضور الحفل والمؤتمر الصحفي لتدشين مشروع الصحة والتعليم في دارفور والذي يموله الاتحاد الأوروبي وتنفذه منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في الثالث من فبراير المقبل بالخرطوم، وقال إن ذلك المشروع يهدف إلى تحقيق دعم جهود السلام في ولايات دارفور، وأتبع مكتب الإعلام والعلاقات العامة ببعثة الاتحاد الأوروبي بالسودان تلك الدعوة برجاء للصحفيين بأن يهتموا بالحضور وتغطية الخبر لما فيه من أثر على التنمية والسلام في دارفور، والتعرف على أوضاع الصحة والتعليم في ولايات دارفور. وقطعاً ذلك يعطي مؤشرات عن مواقف المجتمع الدولي من قضية السلام في دارفور وعدم دعمها لاستمرار الحرب، ما يجعل فرص الضغط على الأطراف المختلفة من أجل الوصول إلى سلام كبيرة. ويطرح ذلك السؤال حول إمكانية مشاركة قوى المعارضة بمعادلات جديدة في حوارها مع المؤتمر الوطني؟