حوارات

رئيس قوى التحالف المعارض "فاروق أبو عيسى" لـ (المجهر):

يرى بعض الساسة السودانيين أن البلاد دخلت منعطفاً سياسياً جديداً عقب الخطاب الأخير لرئيس الجمهورية رئيس حزب (المؤتمر الوطني) “عمر البشير”، الذي وُسم بوثيقة الإصلاح السياسي الشامل، وكان حضوراً له زعيم حزب (المؤتمر الشعبي) المعارض “حسن الترابي” ورئيس حزب (الأمة القومي) “الصادق المهدي” ورئيس حزب (الإصلاح الآن) غازي “صلاح الدين”.. ولم تمض سوى أيام قليلة حتى فاجأ تحالف قوى المعارضة المراقبين بقبوله الحوار مع الحكومة..
وفي وقت تتسارع فيه الخطى والأحداث أجرت (المجهر) حواراً أمس مع رئيس تحالف المعارضة الأستاذ “فاروق أبو عيسى” لتوضيح موقفهم، بالإضافة إلى بعض القضايا.

} قبلتم بمبدأ الحوار مع الحكومة.. ما هي مطالبكم؟
– نحن لدينا اشتراطات واستحقاقات لهذا الحوار.
} ما هي هذه الاشتراطات؟
– أولاً لا بد أن يكون الحوار جاداً، وبأجندة يضعها طرفا الحوار، على أن يبدأ باعتراف (المؤتمر الوطني) بأن سياساته هي التي تسببت في الأزمة التي يعاني منها الوطن، ويقبل استبدال نظام الحزب الواحد بنظام تعددي تداولي، يعترف بالتعدد الديني والعرقي والثقافي.
} هل حدد التحالف سقفاً زمنياً محدداً للحوار؟
– لا بد أن يكون للحوار سقف زمني متفق عليه، ينتهي بقيام مؤتمر دستوري يجمع كل أهل السودان، وينتهي كذلك بموجهات على أساسها يتم وضع دستور السودان، وقبل هذا لا بد من قيام حكومة قومية انتقالية يشارك فيها الجميع بمن فيهم حملة السلاح.
} ما هو الحوار المطلوب بالضبط؟
– الحوار المطلوب لا بد أن يكون حول كيفية حكم السودان في ظل سيادة حكم القانون، بعد إزالة الشمولية، ولا بد من اقتسام السلطة والثروة بين أقاليم البلاد المختلفة، على أن يأتي ذلك بعد نقاش مستفيض مع أهل السودان، عسكريين ورجال طرق صوفية ونساءً وشباباً وزعماء قبائل وإدارة أهلية وفنانين، في مؤتمر دستوري يتداول أزمة الوطن للخروج بموجهات لوضع الدستور الدائم الجديد الذي يعبر عن كل أهل السودان، ويحكمون به.
} البعض يرى أن قبولكم بالحوار مع الحكومة جاء نتيجة تخوفكم من تحالف إسلامي عريض يخرجكم من دائرة التأثير السياسي الفاعل.. هل ذلك صحيح؟
– لا.. فالتيار الإسلامي بحركته وبرنامجه سقط تماماً في امتحان أجراه الشعب السوداني، واستمر هذا الامتحان لـ (25) عاماً، وهذا التيار لا مستقبل له، وموقفنا بقبول الحوار مع النظام لا علاقة له باصطفاف من هذا القبيل الذي ذكرته، علماً بأن هذا يذكرنا باصطفاف ما قبل وأثناء ثورة أكتوبر (1964م) بين (جبهة الهيئات) وجبهة الأحزاب القديمة.. بين القوى الحديثة والقوى التقليدية.
} تقول ذلك مع أن الواقع يقول إنكم غائبون ولا يذهب إليكم الشباب.. أليس كذلك؟
– نحن لسنا غائبين.. القوى السياسية المنظمة هي التي تستطيع دعم معارضة ترفع فيها شعار إسقاط هذا النظام، وتقوم بتحضير بديل لهذا النظام، وليس ذلك فحسب، بل حضّرت دستوراً انتقالياً لفترة إسقاط هذا النظام.. وهذا أمر لم يحدث من قبل في تاريخ الحياة السياسية السودانية، ففي أكتوبر (1964) انتفض الناس ولم يكن هناك لا ميثاق ولا برنامج ولا كيف يتعاملون مع بعضهم بعد نجاح الثورة، وفي أبريل (1985) كذلك.. أما الآن فإن كل شيء مرتب. بالمقابل توجد حكومة فاسدة، سياساتها خاطئة (تلطش يمين وشمال)، دمرت السودان وعلى وشك أن تقضي عليه، والشباب حتى ينجزوا لا بد أن يختاروا أحد الطرفين، واختيارهم لطرفنا لا يعني أن يذوبوا في الأحزاب أو التحالف.
} قال مسؤول الاتصال التنظيمي بـ (المؤتمر الوطني) إن الفرصة ما زالت أمام المعارضة لإسقاط النظام.. أين أنتم.. هل تعيشون في غيبوبة؟
– (يضحك بشدة): نحن؟! نحن في غيبوبة أم الناس الذين دمروا السودان بالفساد والسياسات الاقتصادية والعلاقات الدولية الخاطئة، والتعامل مع الاتفاقيات الموقعة مع الأطراف المختلفة بشكل خاطئ، وباتوا (قاعدين في الساحة ساي)؟! صحيح أنه يؤخذ علينا أننا لم نستفد من هذا الوضع، ومن عزلتهم لكي (نلطشهم لطش نخلص عليهم).
} ما هو السبب؟
– لأننا أضعف من أن نفعل ذلك، ولكن منذ سبتمبر وحتى اليوم نحن ازددنا مائة مرة، قوة وتنظيماً وتصميماً من كل أحزابنا، لذلك (الضربة جاياهم جاياهم).
} اعطني دليلاً على ما تقول؟
– لا نستطيع قول كل شيء.. أصبحنا لا نقول كل شيء.. وهنالك أشياء نقولها وأخرى نمسك عنها، ولكن ما حدث في سبتمبر وأكتوبر نحن لسنا بعيدين عنه.
} يرى مراقبون أن الشباب لم يقتنعوا بكم، كما أنهم لم يقتنعوا بالنظام القائم، وأكبر دليل على ذلك ظاهرة (الحواتة)، فالشباب لم يجدوا القدوة التي تلبي تطلعاتهم؟
– الفنان “محمود عبد العزيز” لديه قدرات فنية لاقت هوى عند الشباب، فالتفوا حوله، ونحن لدينا طرح وطني ديمقراطي لمصلحة إزالة هذا النظام وإبعاده، وبناء نظام ديمقراطي يجد فيه الشباب أنفسهم، ومصالح الشباب يصنعونها من خلال تحالفهم وتعاونهم معنا.
} (مقاطعاً): هم لم ينجذبوا إليكم؟
– هي عملية ستأتي بالتراكم وبغيره.. نحن قبل عام كانت علاقتنا بالشباب غير موجودة، بينما الآن لدينا هيئة شباب التحالف، وتوجد منظمات من الشباب مثل (التغيير الآن) و(شباب التغيير) وغيرهما.. صحيح هم ليسوا أعضاء معنا، لكن مع ذلك نحن لدينا علاقات نضالية وكفاحية معهم، وعلاقات اجتماعية، وكل يوم نقترب من بعضنا البعض، هم منا ونحن معهم. وهناك مشكلة.. لا أقول لك إنها ليست كذلك، وليس الشباب وحدهم، فهنالك قطاعات أخرى مهمة في المجتمع.. وإذا أردنا التخلص من النظام فالأحزاب بشكلها وضعفها الحالي لن تفعل ذلك.
} هل تقر كرئيس للتحالف بضعف الأحزاب وأنها لا تستطيع فعل شيء؟
– نحن لا نخجل، فالأحزاب دمرها النظام لـ (24) عاماً، إذ قام بتكسيرها وحلها وضيق على قياداتها وصادر أموالها ومطابعها، وحتى اليوم يمنع صحفها، فـ (الميدان) ممنوعة و(رأي الشعب) وغيرهما.. نحن ندرك ذلك، ومنذ البداية قلنا إننا بوضعنا هذا لا نستطيع إزالة النظام، لكن ما نستطيع فعله الآن، وبضعفنا هذا، هو خلق منصة تعمل على توعية الشعب بخطر هذا النظام من خلال فضح سياساته، وبعد التوعية نعمل على تنظيم القطاعات التي دمرها النظام، الذي دمر أيضاً النقابات ومنظمات المجتمع المدني، ومؤسسات المرأة والنقابات المهنية واتحادات المزارعين.. نريد بناء كل ذلك، والآن نعمل بالفعل على ذلك، لأننا في النهاية على قناعة بأن من يقوم بالتغيير قطاعات الشعب ذات المصلحة الحقيقية في التغيير، وهذا ما انتبهنا له، والآن هذه هي قضيتنا الرئيسية.
} فشلتم في كسب نتيجة نقابة المحامين الأخيرة.. لماذا؟
– منذ اليوم الأول زملاؤنا المحامون فكروا في خوض هذه المعركة وتشاوروا معي، وأنا كنت واضحاً ومقتنعاً ونقلت لهم قناعتي بأنه من المستحيل، والحكومة بضعفها الحالي، أن تقبل بتسليمكم نقابة المحامين، وهي ستموت دون ذلك، عبر التزوير أو دفع الأموال أو غيره، ولم تكن صدفة أن يفرّغ (المؤتمر الوطني) والحكومة “نافع علي نافع” بقدرته وإمكاناته للعمل من أجل كسب هذه المعركة، وعملت أجهزة عديدة بما فيها أجهزة نظامية من أجل فوز (المؤتمر الوطني) بهذه النقابة.
} كأنك توقعت فوز (المؤتمر الوطني) المسبقة بنتيجة نقابة المحامين؟
– كان واضحاً لديّ تماماً أنه من المستحيل أن نكسب، ولكن مع ذلك قررنا جميعنا أن ندخل هذه المعركة لأنها ضد النظام وتساعدنا في تحريك الجماهير في عملية التنظيم، مع ذلك نجح (المحامون الديمقراطيون) في بناء جبهة من (1600) محامٍ، وهذه الجبهة تُنظم الآن، ومنتشرة في كل أنحاء ومدن السودان، وهؤلاء لديهم قدرات رهيبة، ونقابة المحامين بتاريخها النضالي تقف دوماً مع الشعب والحريات وضد الانتهاكات، ومع استقلال القضاء والآلية العدلية.. والمحامون لديهم القدرة على لعب دور رئيسي في مجتمعهم، وما حدث نجاح كبير.. وحتى لو فزنا بنقابة المحامين في ظل الظروف الهيمنة الحالية، فلن نستطيع فعل شيء، فغداً سترمى القيادة الجديدة في السجن.. نحن نعلم أنهم سيفوزون، لكن معركة المحامين كانت معركة عظيمة (عملوها بعقل وتصميم وإرادة قوية) ونجحوا فيها.
} (المؤتمر الوطني) قال إن انتخابات المحامين (تمرين) للانتخابات المقبلة ومؤشر لنتيجة هذه الانتخابات؟
– لا.. لا.. هذا حكم على الأمور بقشورها.
} هل هذا الفوز هو بالفعل مؤشر على نتيجة الانتخابات المقبلة؟
– (المؤتمر الوطني) هذا نحن نعيش معه وأنتم كذلك.. (أنت.. من الذي قابلك في البلد دي.. ودق صدروا وشاكلك.. وقال ليك أنا مؤتمر وطني ودافع عنو)؟! لا يوجد، (لا في بيت بكا ولا في بيت عرس).. لا في فرح أو كره.. لا في الشارع ولا الطلمبة، (إلا أنه بحيينا نحن).. لا أحد مع (المؤتمر الوطني)، فمن أين يأتي بالأصوات، إلا إن كان عبر التزوير وشراء الأصوات والتحايل على القانون وطرق الاستيلاء على المفوضية.
} هل معنى ذلك أن (المؤتمر الوطني) لا شعبية له؟
– أقول لك وبحكم معرفتي السياسية (ما عندو).. (المؤتمر الوطني) تلتفّ حوله مجموعات ذات مصالح ومنتفعون وانتهازيون، وهذا الأمر ليس بالجديد على السودان، فكل النظم من هذا النوع ذات الحزب الواحد والفرد الواحد، أول ما يسقط الحزب أو الفرد لن ترى أحداً.. نظام (الحزب الوطني) في مصر على سبيل المثال كان لديه سبعة ملايين عضو، وحينما ذهب “حسني مبارك” لم يقف معه أحد.. وفي السودان هنا حينما ذهب “نميري” لم نر ولا فرداً واحداً من (الاتحاد الاشتراكي) خرج ليدافع عن “نميري”، واليوم لو سقط هذا النظام فإن “نافع علي نافع ” نفسه سيتحول إلى (حزب أمة) أو (اتحادي ديمقراطي).
} هل نتيجة الانتخابات القادمة محسومة لهم منذ الآن؟
– أولاً، لا انتخابات قادمة إلا إن أرادوا إجراءها في منازلهم.
} لماذا؟
– الإرادة الدولية الآن ليست مع إجراء انتخابات، لأنها لن تضيف.. هم شعروا بأن السودان يعيش أزمة خانقة، أزمة اقتصادية وسياسية وعسكرية، لذلك فإن الدول المحيطة والمجتمع الدولي أضحى معنياً بحل هذه الأزمة حتى لا ينهار السودان ويصبح دولة فاشلة.. هل إجراء الانتخابات وعمل دستور (مطبوخ) وفقاً للطريقة التي يريدها (المؤتمر الوطني) سيحل أزمة هذه البلاد؟ لذلك لا توجد جهة عاقلة لا في داخل السودان ولا في خارجه مع إجراء الانتخابات وضياع المال والوقت فيها، لأنها قبل أن تكتمل من الممكن أن تنهار البلاد، والسودان الآن تعدى مرحلة الأزمة ودخل مرحلة الانهيار، ونحن بمسؤولية وطنية عالية نشعر بخطر الانهيار، لذلك حديث (المؤتمر الوطني) عبث، وإصراره على الانتخابات.. نحن وبالصوت العالي، وأنا مخول، أقول إن كل أحزابنا رافضة للمشاركة في انتخابات قادمة، معروف أن (المؤتمر الوطني) سيطبخها ليأتي ويحكم لخمسة أعوام أخرى.. هذا مرفوض قطعاً.. ومرفوض أي دستور يعمله هذا الحزب في ظل عدم وجود ديمقراطية وحريات وتكميم أفواه ومنع ممارسة الحقوق السياسية والاجتماعية للشعب السوداني.. مستحيل أن نشارك.
} هل لهذه الأسباب فقط؟
– (انتخابات شنو ودستور شنو في بلد (60%) من شعبه تحت دائرة الحرب أو معاناتها)؟ هل ستجرى الانتخابات من غير أهل دارفور وكردفان والنيل الأزرق؟ ولا تنسى أن قانون (2005) فقد صلاحيته بانتهاء الفترة الانتقالية وخروج الجنوب وتكوين دولة أخرى.. انتهى، لأنه دستور قائم على شراكة بين طرفين ذهب طرف منهما، وهو الحركة الشعبية والجنوبيون، لذلك انتهى الأساس المادي لدستور (2005)، ونحن قلنا هذا الكلام في وقته، وهؤلاء الناس موجودون في الحكم الآن (جبرية وبقوة العين).
} رشح حديث عن مبادرة سعودية يقودها الملك “عبد الله” لحل الأزمة السودانية ويدعمها مجلس التعاون الخليجي.. هل جرت معكم أي اتصالات؟
– كلا.. ولم نسمع بها إلا كـ (ونسة) في المجتمعات، ولكن رسمياً لم نسمع بها أو تجرى معنا اتصالات، مثلما يشاع الآن عن اتصالات يجريها (المؤتمر الوطني) مع المعارضة، ونحن اجتمعنا وكل الأحزاب نفت وجود اتصال معه أو محادثات.
} ما زلتم تتحدثون عن الإعلان الدستوري والحكومة الانتقالية وما إلى ذلك.. هل كل هذه الوثائق (حبر على ورق)؟
– ليست حبراً على ورق، فهي وثائق وضعتها الأحزاب مجتمعة بإرادة موحدة، وهي إرادة جماعية.. وثيقة الدستور الانتقالي للفترة الانتقالية، ووثيقة (البديل الديمقراطي) التي تحكم الفترة الانتقالية يتم النقاش حولهما لدى أطراف الجبهة الثورية.
} دعا الأستاذ “إبراهيم الشيخ” أحد زعماء المعارضة، كلاً من السيد “محمد عثمان الميرغني” والسيد “الصادق المهدي” للتقاعد السياسي.. هل أنت مستعد للتقاعد؟
– أنا الآن متقاعد، والعمل السياسي ليس وظيفة، إنما هو دور نضالي، وأنا أحيي كل كبار السن عندنا الذين ذكرتهم.. نحيي إصرارهم على مواصلة النضال من أجل الوطن حتى وصولهم إلى القبر- أطال الله أعمارهم – هذا واجبهم ما لم يعجز الشخص، وأنا لم أعجز، أحلت إلى المعاش في عملي المهني، ولكني ما زلت قادراً على العطاء لوطني وشعبي سياسياً، فلماذا أجلس في المنزل؟ لمصلحة من؟ ثم أن العمل السياسي لا يقاس بالسن، وأمريكا مثلاً حكمها من جاوز الثمانين، وكثير من دول العالم.
} أمريكا يحكمها الرئيس “أوباما” وهو لم يبلغ الخمسين عاماً بعد؟
– (على راسنا).. أؤكد لك أننا بعد إسقاط هذا النظام سنأتي هذه المرة برئيس شاب.
} هل من الممكن أن تأتوا بواحد منا؟
– نعم.. لما لا؟ وليس مهماً أن يكون (ود خرطوم وود وسط وود بحر) من الممكن أن يأتي من شرق البلاد، أو من الغرب أو الشمال. أما توجهي أنا شخصياً، وأعلن ذلك منذ هذه اللحظة، أني زاهد في تولي أي منصب في أية سلطة تنفيذية.
} هل سيفعل ذلك السيد “محمد عثمان الميرغني” والسيد “الصادق المهدي”؟
– لا أعرف، اذهب واسألهما، ولكني أتحدث عن أن ما يقومان به من جهد في السياسة، صحيح أم خاطئ، فإني أحييهما عليه، وأريدهما أن يفعلا ذلك بعيداً عن المشاركة في هذا النظام حتى لا يسقطا معه لأنهما من رموز الوطن.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية