هذا المعلم الرائع
} لكل واحد معلم أثر في حياته وجعله قدوة ونموذجاً لأنه تميز بصفات جعلته متفوقاً على الآخرين. وكان يحسن معاملته ويزوده بكل ما يزيد معلوماته. بالنسبة لي هذا الأستاذ هو الراحل “مبارك الرفيع” الذي درسني في المرحلة الابتدائية.
كان الأستاذ النحيل نموذجاً في الأناقة والنظافة، فقد كانت ملابسه باستمرار نظيفة مكوية. وكان لا يتأخر عن حصته مهما كانت الظروف. إضافة إلى ذلك كان مثقفاً مطلعاً يظهر ذلك في أي حصة يدرسها، فهو يستعين بأسماء لكُتاب كبار ويقدم معلومات قيمة عن أي حدث. ولهذا كنا نحن أصحاب أكبر قدر من المعلومات المهمة التي أفادتنا في الإنشاء والنقاشات الكثيرة.
} بعد كل ذلك كان ما قربني إليه أنه كان يراني عبقري زمانه. وكان يصرح بذلك لزملائي التلاميذ بعد أي إجابة لسؤال صعب جداً وأعطاني لقب (العبقري الهائم)، وكان زميلي في الفصل الفنان حالياً “عثمان مصطفى” الفنان المعروف الآن يدخل في نقاشات كثيرة حول هذا الاسم هل هو (العبقري الهائم) أم (العبقري الهائب) ولم تتح لنا ذخيرتنا اللغوية معرفة صحة التسمية.
} كنت كالعادة أفضل تلميذ في (اللغة العربية) التي يدرسها الأستاذ “مبارك الرفيع” وخاصة في الإنشاء، فقد كان زملائي يكتبون صفحة صفحتين. بينما كنت أنا أكتب أي موضوع في أربع صفحات دون أي خطأ لغوي أو إملائي. وكانت المادة التي أكتبها تقرأ في الفصل على باقي التلاميذ كنموذج للكتابة المثالية.
} دفعتنا تلك كان فيها الكثير من المتفوقين في مجال الكرة والغناء مثل الفنان “عثمان مصطفى” الذي كان يلحن كل الأناشيد لحناً جديداً مبتكراً. وكان أيضاً متفوقاً في كرة القدم ولكنه في النهاية ركز على الغناء وتفوق فيه حتى صار أستاذاً في الموسيقى.
} لم يكن أستاذنا “الرفيع” فقط متفوقاً في (اللغة العربية) وآدابها، بل كان متفوقاً في (اللغة الانجليزية). حيث يحضر معه أحياناً كراسة صغيرة عليها قصة قرأها بالانجليزي وترجمها وكان يبلغنا بذلك. هذه الطريقة هي التي جعلتني فيما بعد أهتم بـ(اللغة الانجليزية) وآدابها، فكنت أهتم بها منذ المرحلة المتوسطة حتى صرت من المتفوقين فيها ومترجماً فورياًً، أيضاً ترجمت العديد من الكتب خاصة في “السعودية” وبعضها مازال يدرس خاصة كتابي عن تدابير السلامة الذي أقمنا من أجله دورتين في السلامة بالمملكة ومازال الكتاب الذي ترجمته هو المرجع الأساسي لهذه الدورة. وأُدين بعد الله بالفضل للأستاذ “مبارك الرفيع” فهو الذي لفت نظري إلى الاهتمام باللغات ونبهني إلى أهميتها، فله بعد الله الفضل في كل ما وصلت إليه في هذا المجال.
} كان هذا الأستاذ العبقري شاعراً متفوقاً ينظم القصائد في المناسبات. أذكر عندما زار الفريق “عبود” حي القوز أنه قدم قصيدة في الترحيب به مع أنه لم يكن مؤيداً له لمجرد استعراض عضلاته اللغوية، فكانت تلك القصيدة الوحيدة التي قدمت شيئاً غير تقليدي في تلك المناسبة.
} مرت الأيام والسنون والتقينا في مدينة “الرياض” حيث زارنا في أحد الأيام كممثل لوكالة قطرية تريد اشتراكنا في عمل دليل تجاري. لم يخف سعادته عندما علم أنني كنت تلميذه النجيب، وفوضني صاحب الوكالة للاتفاق معه على شروط التعاقد. وأخبرني أنه مقيم في “الدوحة” ومتزوج من سيدة قطرية من علية القوم هناك. وعلمت فيما بعد أنه توفى فحزنت عليه وترحمت جزاء ما قدم لنا من علم وقدوة.
> سؤال غير خبيث
لماذا يترك بعض المعلمين أثراً قوياً في النفوس؟