رأي

النوبة في الجيش الشعبي .. المطرقة والسندان!!

} إن مسألة الحرب في دولة جنوب السودان أمر معلوم للرجل البسيط الذي كان يحسب أن وقوعها أمر في الحسبان، ولا يتطلب التنبؤ بها اجتهاداً في التحليل السياسي إذا قارنا تقاطعات مكونات الجيش الشعبي من حيث التركيبة القبلية. إن اشتعال الحرب في جنوب السودان مسألة وقت ليس إلا، سواء اندلعت بأسباب صراعات القادة الحاليين أم آخرين تسلموا منهم القيادة، لأن بذرة الحرب بين مكونات الجنوب القبلية كامنة ومتجذرة ومسنودة بالأساطير التي تجد لها أرضاً خصبة في بيئة الجنوب.
} إن الحرب بين معظم قبائل الجنوب ولا سيما الكبرى، (الدينكا) و(النوير) وغيرهما، هي الأصل، والتعايش السلمي هو الاستثناء.. ففي مجتمعات ما قبل التاريخ والبداوة يسود الاقتتال لأبسط الأشياء، ناهيك عن بروز دولة وسلطة وثروة مع غياب عناصر مكوناتها من تاريخ مشترك وثقافة ولغة موحدة للشعب، ومرتكزات فكرية أو الفكرة الجامعة للأمة.
} كما قلنا، الرجل العادي كان يدرك وينتظر قيام الحرب في الجنوب في أية لحظة، وبقدر هذا الإدراك الذي أصبح يقيناً لدى الكافة وعلم لا جهالة فيه، كان يعرف الكل في السودان أن قيام حرب في جنوب السودان ستلقي بظلال سالبة سواء من تدفقات اللاجئين صوب السودان، أو تسرب السلاح ووقوعه في أيدي الجماعات المناوئة للسلطة في الخرطوم، أو توقف إمداد النفط وما يخلفه ذلك من تداعيات اقتصادية تؤثر علي ميزان الإيرادات، مما يتسبب في ضيق معيشي تضطر معه الدولة إلى رفع الدعم لمواجهة هذا الأثر الاقتصادي السالب.
} إن أخطر الظلال السالبة لحرب الجنوب، يتمثل في بروز ثغرة تنفذ من خلالها التدخلات الأجنبية تحت دعاوى وذرائع عديدة، تبدأ بتأمين خروج رعاياهم وتنتهي بدعم شرعية سلطة “سلفاكير”، وفي المقابل سنجد آخرين يقفون مع الطرف المناوئ للسلطة في الجنوب وفقاً لمصالحهم.
} بدأ هذا التدخل بدخول القوات اليوغندية، التي لم تخف هذا التدخل وأطرت له شرعياً عندما صدر قرار من البرلمان اليوغندي يسمح لقواتهم المسلحة بالتدخل، ولن نستطيع أن ننظر لهذا التدخل إلا من زاوية أن يوغندا تلقت الضوء الأخضر أو التوجيه الصريح من الولايات المتحدة أو الدول الكبرى في الاتحاد الأوربي، وما يدعم ما ذهبنا إليه تصريحات أحد أعضاء لجنة الأمن بالبرلمان اليوغندي التي ذكر فيها أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يمولان البعثة اليوغندية المقاتلة في دولة جنوب السودان، ورشحت الأنباء أن قوات لكينيا والإيقاد تتجه صوب الجنوب.. بهذه المعطيات والإفرازات دعونا نتساءل: أين موقع الحركة الشعبية (قطاع الشمال) “عرمان” وصاحباه “عقار” و”الحلو” من البركان الذي انفجر في الجنوب؟! ولماذا صمت الثالوث صمت أهل القبور؟ أما كانوا يدركون علم الكافة بأن الحرب لا محالة قائمة؟!
} إن هذه الثعالب الماكرة التي غررت بأبناء جبال النوبة وذهبت بهم صوب الجنوب، أدخلتهم في مأزق تاريخي وموقف لا يحسدون عليه وهم آمنون في جحورهم الفندقية.. هؤلاء صمتوا لأنهم يعلمون شنيع فعلتهم، فهذه ليست الأولى، إذ كانت قبلها سابقة انشقاق الناصر وأثرها على أبناء النوبة، وهو أمر لا يسقطه التاريخ ولا ينمحي من ذاكرة النسيان.
} إن صمت الثالوث دليل على الاضطراب والحيرة وانعدام الرؤية حتى ينجلي الموقف، ثم يكونون مع المنتصر، ولكن مهما كانت النتيجة فإنهم الخاسرون، لأن الترتيبات التي تتمخض وتتشكل لن تكون في مصلحتهم.. ودعونا نترك الثالوث جانباً وننظر في أمر أبناء النوبة وغيرهم من المنضوين تحت لواء الجيش الشعبي.. ما وضعهم؟ وهم موزعون بين وحدات عسكرية مختلفة في سائر ولايات الجنوب مما يعني أنهم يقاتلون بعضهم بعضاً.. فمن مع “سلفاكير” يقاتل ضد من وجد نفسه في حامية انشقت لصالح “مشار”.. إذن هو قتال لصالح الآخر!!
} لقد ظللنا نتحدث عن الأجندة واختطاف القضايا وارتهان الإرادة وعن استبانة النصح، ولكن البعض لم يستبنه، وكل يوم يطل علينا ضحى جديد..
} لقد قاتل أبناء النوبة أكثر من عشرين عاماً وكان حصادهم انفصال الجنوب ومشورة شعبية لا تسد رمق الجوعى ولا تسكت أنات الأرامل ولا تمسح دموع اليتامى، ورغم ذلك ذهبت أدراج الرياح، ولا نجد لها الآن أثراً، بدليل من يتحدث عن مبادرات برلمانية لتكون بديلاً للمشورة الشعبية، وينتظرون صندوقاً للتنمية ليمولوا من ماله هذه المبادرة..
} وعلى ذكر الصندوق، نشكر للبروفيسور “كبشور كوكو” الأستاذ الجامعي والمهموم بقضايا جنوب كردفان دعوته لشخصنا الضعيف وبعض رموزها للتفاكر حول وضع مقترحات للصندوق لكي يعين متخذي القرار للاستفادة منها.. والشكر موصول إلى الوالي “آدم الفكي” الذي شرف اللقاء، وكان ضمن الحضور سعادة اللواء “مركزو كوكو” الوالي الأسبق والوزير السابق “خيري القديل”، ود. “حسين إبراهيم كرشوم”، والوزير د. “علي موسى تاور”، والأستاذ “أحمد سبيل” والوالي السابق لغرب كردفان “سلمان سليمان الصافي”، والبرلماني “محمد بحر الدين”، وأستاذ علم الاقتصاد البروفيسور “أرباب إسماعيل بابكر”، وسنفرد لذلك مقالات في مقبل الأيام إن شاء الله من ضمن سلسلة مقالات جنوب كردفان، بدءاً بتشكيل الحكومة حتى زيارات الوالي، وسنتحدث عن الجبال الستة الصامدة التي لم تحمل السلاح في وجه الحكومة، والصامتة عن الحديث..
} ونحن إذ نذكر السودانيين عامة وأبناء النوبة في دولة الجنوب خاصة بما يجري الآن من صراع، حتى لا يكونوا وقوده ولا يعيد التاريخ نفسه.. يجب أخذ العبر والعظات، وأن لا يُدفع الثمن الباهظ مرتين.
والله من وراء القصد

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية