(الـخطوة المهمة) .. محاولات للاستقراء !!
إعلان الرئيس «البشير» عن خطوة مهمة ستتخذ قريباً استوقف كثيراً من المتابعين للشأن السياسي السوداني، لكن لم تكن هذه المرة الأولى التي اعتاد فيها الناس على سماع أخبار من مؤسسة الرئاسة، تؤكد فيها أن الأيام القادمة ستشهد اتخاذ خطوة جديدة أو مهمة. قبل ذلك أعلن الرئيس «البشير» في مؤتمر صحفي قبيل قرار رفع الدعم عن المحروقات، بأن هناك بشريات قادمة حول علاقة حكومته ببعض الأحزاب المعارضة، وكان قد حدد وقتها حزب المؤتمر الشعبي. وأشار حينها أن شعبه سيسمع بشريات حول هذه العلاقة، بينما أكد أن لجان الحوار بينهم وحزب الأمة القومي وصلت إلى نهاياتها، وربما تكون هناك لقاءات تمت بين الرئيس وزعماء تلك الأحزاب أثر بعضها في قرار إبعاد بعض أفراد الحرس القديم مؤخراً من السلطة، لاسيما أن هناك حديثاً أطلق في الفترة الماضية حول لقاء الرئيس بدكتور «الترابي». ورغم نفي المؤتمر الشعبي لهذا اللقاء من خلال مؤتمر صحفي عقد خصيصاً لهذا الغرض، إلا أن بعض المراقبين يتحدثون عن علاقة غامضة أو غير مرئية بين الوطني والشعبي، ربما تطبخ بعيداً عن مسامع الأعضاء أنفسهم.
بالنسبة لحزب الأمة القومي العلاقة بينه وبين المؤتمر الوطني تتم تحت ضوء الشمس، فهناك لجان يقودها الفريق «صديق» من جانب حزب الأمة القومي و»مصطفى عثمان إسماعيل» كممثل للمؤتمر الوطني، مازالت فاعلة وتعقد اجتماعاتها بشكل راتب. وقد أفضت في وقت سابق إلى لقاء بين الرئيس «البشير» ورئيس حزب الأمة القومي «الصادق المهدي». أعلنت منه إشارات شملت قضايا الدستور والسلام، لكن ما خفي كان أعظم، لكن على المستوى العام لم يحدث جديد حول هذه العلاقة يتجاوز مرحلة اللقاءات أو اللجان.
رغم ذلك كلام الرئيس «البشير» للرئيس الأمريكي الأسبق «جيمي كارتر» حول الخطوة المهمة التي ستتخذ قريباً، دعت المراقبين للسؤال ومن ثم التفكير فيما يمكن أن يكون خطوة مهمة. وفي هذا الإطار اعتبر بروفيسور «حسن الساعوري» أن أي خطوة مهمة في المرحلة المقبلة من قبل الرئيس «البشير»، سيكون لها ارتباط بتحسين العلاقة مع الأحزاب المعارضة التي وصفها بالعدائية من خلال الاستجابة إلى بعض مطالبها، فيما دفع من اتفقوا معه في طرحه بجملة من الأسئلة من نوعية: هل الحكومة مستعدة الى إجابة مطالب الأحزاب التي يتمثل أهمها في تكوين حكومة انتقالية تدير الانتخابات القادمة، وبالمقابل استبعد هؤلاء أن تكون الخطوة مرتبطة بهذا الشأن على خلفية رفض الحكومة لهذا الخيار عدة مرات، بينما ربط آخرون بين هذه الدعوة والقضايا المرتبطة بـ«كارتر» في مقدمتها موضوع الانتخابات، حيث يشرف «جيمي كارتر» على مركز متخصص في مراقبة الانتخابات، شارك في الانتخابات السابقة وأعطاها شرعية. إذن لم يستبعد هؤلاء أن يكون الموضوع ذي صلة بالإطار السياسي وموضوع الانتخابات التي بدأ حزب السلطة في التجهيز لها من الآن، وإعلان القوى السياسية المبكر مقاطعتها أربك حسابات الحكومة خاصة أن المؤتمر الوطني في حاجة إلى إعداد عدد من الاستحقاقات في إطار الوصول إلى الانتخابات، مثل الدستور وتكوين مفوضية الانتخابات. وما يعزز هذا التنبؤ أن المؤتمر الوطني سبق أن أبدى حرصه على مشاركة القوى السياسية في هذا الاستحقاق، حينما قال إنه سينتهج طريقة حديثة في فرز الأصوات.
الشيء الثاني الذي يدل على أن الخطوة لها علاقة بموضوع الانتخابات، هو قوة موقف القوى السياسية هذه المرة، فإذا قاطعت الانتخابات القادمة ولم يصوت جنوب كردفان والنيل الأزرق سترتفع نسبة المقاطعين، وحال وصلت هذه النسبة إلى (50%) فسيكون هناك مبرر كبير لعدم تقديم الدعم من قبل المجتمع الدولي للحكومة، وبالتالي سيتم تأجيل الانتخابات.
ربما لن تخرج هذه الخطوة من وثيقة الإصلاح المنتظرة التي سيعلنها الرئيس «البشير» في الأيام القادمة. وسبق أن قالت القيادية في حزب المؤتمر الوطني «سامية أحمد محمد»، إن اجتماع المكتب القيادي للمؤتمر الوطني ناقش (11) تحدياً يواجه حزبه، أبرزها تدهور الأحوال الاقتصادية ومحاربة الفساد والعلاقات الخارجية وإنهاء الحرب وترسيخ السلام والدستور والحريات. وأشارت إلى أن حزبها يتطلع إلى تهيئة وتطوير البيئة السياسية والاستقرار وكفالة الحريات والحقوق.
وهناك ثمة إشارة كذلك رصدناها من حديث أحد القريبين من دوائر الحزب الحاكم، وبحسب قوله إن مشكلة الحكومة تكمن في قضيتين هما الحرب الدائرة في بعض المناطق والتي قادت بدورها إلى نسج سياج من العزلة، مضيفاً أن لقاء «كارتر» بالرئيس لم يخرج من هاتين القضيتين والانفتاح والحوار مع المعارضة، سواء كانت سياسية أو عسكرية قد يقود إلى فك العزلة. و»كارتر» يبدو أنه لمس شيئاً من هذا القبيل في لقائه بالرئيس «البشير» ورئيس المجلس الوطني «الفاتح عز الدين»، وما يشير لذلك قول «كارتر» عن أنه تلقى وعوداً منهما بالتوجه نحو تهيئة المناخ للانتخابات والحوار مع القوى السياسية. وتمنى أن تتم معالجة مشكلتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، أيضًا لقاؤه بالدكتور «الترابي» لم يخرج من هذه الأطر هي الحريات، التداول السلمي للسلطة والانتخابات النزيهة.
من ناحية أخرى يتوقع الناس أن تتضمن الخطوة موضوع إتاحة الحريات. وهناك من قال إن التغيير الذي تم كان فيه مراعاة لهذه المسألة التي بدأ التمهيد لها منذ فترة. وتدعيماً لهذا الموضوع أبعدت شخصيات من السلطة في التغيير الأخير، كانت تميل إلى استفزاز القوى السياسية عندما كانت تصفها بالضعف، واستبدلت بشخصيات وفاقية في مواقع سيادية، وسبق أن قادت حواراً مع بعض الأحزاب، ما يعني إمكانية نجاح ما ابتدر من حوار مع بعض هذه القوى، وبالمقابل هناك إمكانية إلى تقديم بعض التنازلات. على المستوى الأمني كذلك أبعدت شخصيات كانت معروفة بقبضتها الأمنية، فكل هذه المؤشرات تدل على أن الوجه القديم للإنقاذ ربما يكون في طريقه إلى الزوال.
لكن هناك من يقول إن (الإنقاذ) ستذهب مضطرة إلى هذه الخيارات لأنها أصبحت أمام خيارين، إما أن تمضي في اتجاه التحول الديمقراطي وتتيح الحريات وتتصالح مع الأحزاب، وإما أن تتجه لحسم معاركها في دارفور وجنوب كردفان، عن طريق الخيار العسكري الذي ربما كان متضمناً في حساباتها في التغييرات الأخيرة.
أخيراً دعونا نسأل هل ستقدم الحكومة تنازلات معتبرة للقوى السياسية رغم تشكيك البعض، أم أن هناك خطوة أخرى مفاجئة مرتبطة بمشاركة بعض الشخصيات الحزبية، تضاهي خطوة مغادرة الحرس القديم للسلطة؟