رأي

مقلب دولي

هناك ما يمكن أن نسميه مقالب صحفية السبب فيها أن أحدهم أراد أن يؤكد أنه العليم ببواطن الأمور، ولكن الذي اتضح أنه لا يعرف شيئاً عن الموضوع.
من هذا النوع أحد الزملاء أراد أن يؤكد جهلي ولكنه أكد العكس، إذ أصبح أضحوكة بسبب هذا الخطأ الكبير. كان ذلك في صحيفة “ألوان” وأذكر أنني كتبت عن قصيدة الشاعر الكبير “نزار قباني” لإعجابي بها، لأفاجأ في اليوم التالي بصاحبنا يؤكد جهلي وأنه وحده يعرف الحقيقة. وكانت القصيدة هي (قارئة الفنجان).
عرضت بعض أبيات القصيدة التي تحولت إلى أغنية جاء فيها:
جلست والخوف بعينيها
تتأمل فنجاني المقلوب
قالت يا ولدي لا تحزن
فالحب عليك هو المكتوب
ولو قرأنا باقي القصيدة لأدركنا أنها سياسية تحمل معانٍ سياسية. وهذا ما قصده الشاعر وهو يشير إلى حال العرب حيث يقول في مكان آخر:
مقدورك أن تمضي أبداً
في بحر الحب بغير قلوع
وتكون حياتك أبداً
كتاب ودموع
وفي مقطع ثالث يقول:
بصرت ونجمت كثيراً
لكني أبداً لم أقرأ
فنجاناً يشبه فنجانك
بصرت ونجمت كثيراً لكني
لم أعرف أبداً
أحزاناً تشبه أحزانك
واضح أن الشاعر يتحدث بلسان مواطن عربي حزين بسبب حال الناس في الوطن العربي.
كان واضحاً أن الشاعر يتحدث عن الحرية التي يفتقدها المواطن العربي في كل الدول العربية. وها هو يقول بصوت واضح:
حبيبة عمرك يا ولدي
تسكن في قصر محروس
من أمسك يدها
من حاول فك ضفائرها
من يرنو من سور حديقتها
يا ولدي مفقود.. مفقود.. مفقود
هل يحتاج الأمر إلى كبير عناء لنعرف أن حبيبة الشاعر هي (الحرية) التي حرم منها المواطن العربي. الأمر واضح ولا يحتاج إلى شرح.
ولكن صاحبنا الصحفي الذي أراد إثبات جهلي أثبت جهله، لأنه قال إن “أحمدون” يحاول إقناعنا أن الشاعر يقصد الحرية، ولو قرأ القصيدة حتى نهايتها لعرف المقصود، لأن الشاعر عرف فتحدث عن حبيبته (هي الدنيا) وحاول إثبات جهلي وتعجلي لأنه لو قرأ حواراً مع “عبد الحليم حافظ”، سيعرف أنه قال إنه أضاف (هي الدنيا) لكي لا تمنع القصيدة في بعض الدول العربية، أي أن الكلمتين لم يكونا في النص ولكنه أضافهما لكي لا تمنع القصيدة. أي باختصار أن الشاعر يقصد ما قلته أنا وهو أنه يقصد الحرية المفقودة.
وقد صححته في عمود لاحق. ومنذ ذلك اليوم لم يكتب عن القصائد بعد هذه الفضيحة الداوية، وليته لم يكتب شيئاً لأنه تخصص في الأغاني وقد كان هذا أكبر مقلب يشربه كاتب عمود في الصحف السودانية.
سؤال غير خبيث
هل يستطيع شاعر سوداني أن يكون بشجاعة “نزار قباني”

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية