تقارير

صراع الجنوب .. سيناريوهات ما بعد الحرب !!

يعول مراقبون على أن إدراك أمريكا والمجتمع الدولي استحالة إنهاء الصراع الدائر في دولة الجنوب عسكرياً، من الممكن أن يسرع خطوات الحل السلمي في الدولة التي قضت فيها حرب الأيام الماضية على مئات الأرواح من البشر وشردت آلاف الأسر.
وكلمات مساعدة الأمين العام لمكتب الشؤون الإفريقية بمجلس الشيوخ «لندا توماس» أمس الأول الأربعاء حول موقف الولايات المتحدة الأمريكية الرافض تماماً للإطاحة المسلحة بالحكومة المنتخبة في دولة الجنوب، مع تأكيدها على ضرورة الوقف الفوري للعنف وخاصة أمام المدنيين، اعتبرها مراقبون – تحدثوا لـ (المجهر) – خطوة ايجابية مهمة جداً تجاه وقف القتال في الجنوب، لجهة أن كلا الطرفين يصيخان السمع لما تتفوه به أمريكا أو الاتحاد الأوروبي. وأمس أبلغ وزير الدولة للشؤون الإفريقية البريطاني الصحافيين – في مؤتمر صحافي عقده بمنزل السفير البريطاني – بدعم بلاده للتفاوض بين الفرقاء، ورحب بمساعي الحكومة السودانية لإنهاء أزمة (جوبا)، داعياً إلى إنهاء المشكلة سلمياً بأسرع فرصة، وأكد أنه لا حل عسكري لقضية الجنوب، وأن مصالح تربط بين السودان وجنوب السودان وبريطانيا، مبيناً أن قضية تدفق النفط من الجنوب من القضايا التي تم نقاشها مع الحكومة السودانية.
{ سيناريوهات ما بعد الحرب
ومضى المراقبون إلى الكشف عن سيناريوهات محتملة لما بعد وقف القتال بين قوات «سلفاكير» و»رياك مشار»، وتوقع «د. عمر حمد حاوي» المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية – بجامعة (جوبا سابقاً) و(بحري حالياً) – أن يكون هناك اتفاق بين «سلفاكير» و»مشار»، ولكنه عاد وأكد استحالة حل المشكلة التي راح في طريقها المئات وخلَّفت مرارات واتخذت البعد القبلي، مشيراً إلى أن نزعة الثأر موجودة في قبائل الجنوب، وكثير من القوات التي تقاتل الآن عبارة عن مليشيات قبائل لا تلتزم بالتسلسل العسكري المعروف ولا تتقيد بالضوابط الملزمة. وأضاف «د. حمد» أنه لا يوجد بديل سوى الاتفاق بين الطرفين، مع وجود وصاية من قوات من خارج الجنوب.
وعن السيناريو المحتمل لكيفية تواصل الطرفين لاتفاق بينهما، أبان «د. حاوي» أن الأقرب في الوقت الحالي هو تقاسم السلطة وتوزيعها، وتشكيل حكومة انتقالية بمشاركة أوسع، وتابع: لكن من أسوأ الأمور أن يرتبط السودان بما يحدث في دولة الجنوب، لأن الأخير بلد لا يملك قراره ولا يستطيع أن يتحكم في أموره الداخلية، ويحكمه آخرون. والسودان أكثر الدول التي تأثرت بحرب الجنوب، ولكنه للأسف – في ذات الوقت – الأقل تأثيراً في تلك الحرب.
{ سيناريوهات كارثية
(جوبا) تواجه (6) سيناريوهات كارثية في العام 2014م، أولها وأسوأها الإطاحة بـ»سلفاكير»، بحسب المحللة المصرية «سمر أنور»، ولكن هذا الخيار استبعده المحلل السياسي «د. الباقر عفيفي»، مؤكداً صعوبة الإطاحة بـ»سلفاكير» عسكرياً وهو أمر يعلمه «رياك مشار» نفسه.
أما السيناريو الثاني الذي تتوقعه «سمر أنور»، قد يكون اندلاع الحرب الأهلية التي ستقود البلاد إلى الهاوية، وإن دل ذلك إنما يدل على فشل المفاوضات واستمرار الصراع المسلح وسقوط المزيد من القتلى، في ظل إصرار أنصار «سلفاكير» المنتمين إلى قبيلة (الدينكا) – التي يبلغ عدد سكانها نحو (4) ملايين نسمة وهي أحد أكبر القبائل في جنوب السودان – على الانتقام من أنصار «مشار» المنتمي إلى قبيلة (النوير) – ويبلغ عدد سكانها مليون نسمة فقط – وهو ما يجر البلاد إلى حرب شرسة ستجلب معها الفوضى العارمة إلى تلك الدولة الوليدة.
ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قد يتطور الصراع ليصل إلى حرب على البترول، خاصة أن متمردي «مشار» يسيطرون على أكبر ولاية تنتج البترول في الجنوب، وهو ما عرض الجنوب إلى خسائر فادحة خلال الأيام الماضية، خاصة مع إجلاء كثير من شركات البترول لرعاياها وموظفيها خوفاً من هذا الصراع الشرس، ومن هنا يمكن أن نقول إن (جوبا) تحولت إلى صومال جديد بعد إجلاء (الولايات المتحدة) و(بريطانيا) وبقية دول الاتحاد الأوروبي لرعاياهم.
أما السيناريو الثالث فيتمثل في قدرة الوسطاء على إقناع الطرفين بضرورة التوصل إلى حل وسط أو تسوية هشة تقوم على مبدأ تقاسم السلطة لقطع الطريق أمام الاقتتال الأهلي والقبلي.
والسيناريو الرابع يرتكز على تقسيم (جوبا) إلى دولتين أو ثلاث، وذلك في حال استمرار حالة الفوضى في البلاد، ومن هنا يمكن أن نقول إن انفصال السودان إلى شمال وجنوب كان نقطة البداية وليست النهاية لسلسلة من الانفصالات التي بدأت تتضح معالمها اليوم، بعد أن باتت (جوبا) مهددة بخطر الانفصال إلى دولتين، وما يزيد من احتمالية وقوع هذه الكارثة هو الصراع التاريخي بين القبيلتين (النوير) و(الدينكا)، الذي من شأنه أن يقسم ظهر الدولة الوليدة ليؤسس دولة جديدة في الجنوب، ومع قيامها سيدرك شعب الجنوب، بل والعالم، إن الكارثة وقعت منذ الانفصال عن الشمال.
ويتمثل السيناريو الخامس في العودة إلى أحضان الشمال مرة أخرى، وهو ما ليس ببعيد، خاصة بعد زحف الآلاف من الجنوبيين إلى الشمال مرة أخرى فارين من اشتداد الاقتتال في الجنوب إلى الشمال، الأكثر أمناً واستقراراً.
والسيناريو الأخير يحذر من انتقال الصراع إلى الشمال، وذلك بعد اندلاع المعارك في المناطق الحدودية بين البلدين وانتشار السلاح على الحدود، وهو ما يمثل تهديداً كبيراً على الشمال السوداني.
{ فرض التسوية السياسية
الدكتور «الباقر عفيفي» المحلل السياسي، قال في حديثه لـ (المجهر) إنه يتوقع حدوث تسوية سياسية بين الطرفين، وتابع مؤكداً: لا توجد أية فرصة سوى أن تفرض تسوية سياسية على جميع الأطراف. مشيراً إلى أن التسوية تشمل تعويض كل طرف، بينما يكون الخاسر فقط هو شعب الجنوب. واعتبر «عفيفي» أن إخراج القيادات الموجودة في السجن حالياً يمكن أن يغير كثيراً من الأمور، وأوضح: القيادات الموجودة في السجن الآن هم حلفاء «مشار» قبل الحرب، ولكن أغلبهم سوف تكون لديه تحفظات كثيرة في السلوك الذي انتهجه «مشار» حتى هذه اللحظة، وعندما يخرجون من السجن لن يساندوا «مشار» نهائياً، ولكنهم سيلعبون دور المحرك لـ»مشار» من موقع الصداقة، ولـ»سلفاكير» من موقع الحرص على سلامة واستقرار الجنوب. وأردف: أتصور أن أشخاصاً مثل «دينق الور» و»باقان أموم» سوف تكون لهم القدرة على النظر إلى الأفق البعيد، عكس «مشار» و»سلفاكير» اللذين لا ينظران إلى أبعد من أسفل قدميهما، لأنهما الآن في حالة غبن ضد بعضهما البعض، وهو ما يمنعهما من إبصار مصلحتهما ومصلحة الجنوب.
ووصف «د. عفيفي» التصريح الأمريكي برفض الإطاحة بـ»سلفاكير» عسكرياً، بالموفق جداً، وأضاف: أعلم في نفس الوقت أن «رياك مشار» لا يمكن أن يطيح بـ»سلفا» عسكرياً، ولكنه يهدف إلى رفع سقف مطالبه ويطمح إلى تسوية يعود بموجبها – «مشار» – إلى منصبه السابق أو يوافق خصمه على انتخابات تنافسية.. ومن أهم النقاط الايجابية أن كلاً من «سلفاكير» و»مشار» لا يستطيعان أن يخسرا أمريكا والاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أن الأزمة تفجرت في دولة الجنوب لانشغال أمريكا والاتحاد الأوروبي بقضايا دولية أخرى مثل «سوريا» و»مالي»، ولكن الصراع الذي يحدث الآن في الجنوب أحدث صدمة قاسية لكل دول العالم وهو أمر يتيح للمجتمع الدولي الالتفات مرة أخرى إلى الدولة الوليدة.
وأضاف»د. عفيفي» أن المحللين الشماليين سبق أن حذروا من خطورة استفراد الجنوب بدولته وتوقعوا حدوث صراعات قبيلة، ولكن هذا الأمر لم يجد آذاناً صاغية من الجنوبيين الذين كانوا يردون وقتها: (إنتو دخلكم شنو؟ حتى لو أتقاتلنا ما دخلكم). معتبراً أن المثقفين والسياسيين الجنوبيين لجأوا إلى القبلية الجاهزة لتحقيق مكاسب سياسية مثلما لجأ بعض المثقفين في الشمال إلى الطائفية لتحقيق ذات المكاسب.
{ أسئلة مشرعة
إذن في ظل المعطيات المحلية والدولية، يبقى خيار الجلوس إلى طاولة المفاوضات هو الحل الأكثر منطقياً، ولكن هل تقود التسويات السياسية بين «سلفا» و»مشار» إلى إعادة الاستقرار في الدولة الوليدة؟! إذ بينما يتخوف «د. حمد» من المرارات التي خلفتها الحرب، يرى «د. عفيفي» أن الفترة الحالية تقتضي وجود حكومة انتقالية تعيد «مشار» كنائب لـ»سلفاكير» وتبرئ مرارات الحرب والقتل وترتب لانتخابات مقبلة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية