الديوان

بعد عام من رحيله .. والدة "محمود عبد العزيز" تفتح قلبها لـ (المجهر) في حديث الذكريات:

رحل فنان الشباب المحبوب.. “محمود عبد العزيز”.. ولوعة الحزن عليه لا تزال تعتمل في دواخل محبيه وأسرته.. وبالتأكيد أمّه الحاجة “فائزة محمد الطاهر” التي جلست إليها (المجهر) مؤاسية ومقلبة معها أوراق العمر وما تحمله دواخلها من ذكريات وقد حلت اليوم – السابع عشر من يناير – الذكرى الأولى لرحيل نجلها الذي شغل الساحة الفنية وأثراها بألوان من الكلم الصادق واللحن الراقي والصوت الخرافي.
الحزن العميق كان يغطي وجه ضيفتنا.. لكن تكلله مساحات من الرضاء بأقدار الله.. كانت تتحدث إلينا وهي تستغفر المولى عز وجل.. مع دمعات حرّى كانت تهزم صبرها فتطفر من مآقيها..
حسناً.. دعونا ندلف – متدثرين بالحزن المهيب – إلى ما قالته والدة الأسطورة:

} كيف كانت علاقة الراحل بك كأم.. وبإخوانه؟
– “محمود” كان حنيناً معي ومع إخواته وإخوانه، يعاملهم كأولاده، وقد ساعدني في تربيتهم وتحمل المسؤولية.. وكذلك كان عطوفاً مع أصحابه الذين كانوا يسهرون معه حتى الساعات الأولى من الصباح.. ولا يحب أن يجرح أحداً مهما كانت الظروف المحيطة به.
} كيف اكتشفتِ موهبة “محمود” الغنائية؟
– اكتشافه كفنان كان بالصدفة، فـ “محمود” كان منتظراً أن يصبح ممثلاً أو مخرجاً، لأن هذا الطريق قد سلكه منذ الطفولة في برنامج جنه الأطفال.. كان يجيد التمثيل ويؤدي الأناشيد، وعندما يلعب كرة القدم تحسبه لاعباً ضليعاً.. ولكن موهبة الغناء طغت على الأخريات.. وقد سمعته بالصدفة يغني في (المجلس الريفي) بمحلية بحري أغنية للمطرب “نجم الدين الفاضل” تقول (يا ود يا صغير.. ما كنت أصيل.. وين السلبة ودرب البئر)، فاندهشت، وأحسست بأن موهبته في الغناء سيكون لها شأن، وهذا ما حدث بالضبط.
} وبماذا ساندتِ “محمود” ليكون مطرباً عملاقاً؟
– قمت بتحفيظه أغاني الحقيبة كلها، وكنت أجلب له كتباً بها أشعار الحقيبة.. لـ “أبو صلاح” و”عتيق” و”سيد عبد العزيز” و”عمر البنا” وغيرهم، لأنه كان مولعاً بهم، واهتممت بترتيب وقته ما بين هواية الغناء والدراسة، وكنت أقلق إبان فترة الامتحانات، لأنه لا يذاكر المواد كما يجب.. فقط كان يحب التربية الإسلامية، لكنه كان يفاجئني بنتيجة جيدة جداً.. وبرغم اكتشافي موهبته مبكراً لكني كنت أتمنى أن يكون طبيباً.
} وكيف كانت حياته في البيت تحديداً؟
– كان إنساناً عادياً يحب المرح (والهزار) والنكتة والقفشات، ويصنع مقالب طريفة في البيت، كما كان يقوم بغسيل ملابسه وصنع (حله ملاح مسبكة)، ولكن بعد تقطيع وتجهيز مستلزماتها.. ويضيف إليها الكثير من الشطة.
} وكيف كان تعامله مع الجيران بالحي؟
– كان يكن لأهل المزاد حباً عميقاً ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم ويحترمونه جداً، ولشدة حبه لهم طلب من شاعره “ناصر عبد العزيز” أغنية تخصهم وتمدحهم.. فكانت (شمس المزاد) الأغنية الجميلة جداً.
} هل تدرين من أين جاء لقب (الحوت)؟
– ظهور “محمود” الكثيف في الساحة الغنائية ثم اختفائه لفترة ما، جعل البعض يردد أن “محمود” انتهى ولم يعد له جديد، ولكنه ظهر بشريط سحب البساط سريعاً من تحت أقدام الفنانين في الساحة، وهذا ما جعل الفنان وصديقه “جمال فرفور” يلقبه بـ (الحوت).. وبعده أضاف له أيضاً لقب (الجان).
} وهل كنتِ تعلمين بأعماله الخيرية؟
– للحقيقة لم أكن أعلم بكل ما يفعل من خير، ولكني أعلم كرمه وعطفه واهتمامه بحل قضايا الناس وفك كربهم.. لكن هناك بعض المواقف.. منها أنه كان يساهم في صيدلية قرب منزلنا ويساعد من لا يملكون مالاً للدواء، كما أن بعض المحتاجين كانوا يأتون إلى المنزل فلا يردهم أبداً.. وفيهم أرامل وطلاب. لكن بعد وفاته علمت بكثير من أفعالة الخيرة، إذ أتت مجموعة من النسوة وقلن إن “محمود” اشترى لهن بيوتاً في الإسكان لأنهن يعلن أسراً وأطفالاً. و”محمود” لم يحب في يوم كنز المال. كما كان يسهم في الغرامات، وسبق أن دفع دية لمحكوم في جريمة قتل، وكان يحفز الطلاب المتفوقين ويستأجر داخليتين (بنات وأولاد) لطلاب، بجانب المشاركات في الأعراس، خاصة للأهل، وهو الذي كان يحدد (يوم العرس) ليكون حاضراً ومشاركاً بالغناء ومعه أصحابه الفنانون.
} هل من شيء عن حياة “محمود” تريدين توضيحه؟
– إبان فترة مرضه ودخوله مستشفى (رويال كير بالخرطوم)، أؤكد أنه لم يتعرض لأخطاء طبية من فريق المستشفى.. (رويال ما السبب). وأيضاً في الأردن أثير أن الأجهزة نزعت من “محمود”، ولكنها لم تنزع إلا بعد أن فاضت روحه إلى بارئها.
} ماذا تقولين في (الحواتة).. هذه الكلمة التي تضم المحبين له؟
– (الحواتة يعنوا لي “محمود” نفسه) وهم مكسب كبير لي، وأحسب أن “محمود” ترك لي غابة من الرجال في كل أنحاء الوطن وخارجه.. ولأجلهم كونت منظمة (أم الحواته) الخيرية لدعم مشاريع الراحل، وأنتظر كل مساهماتهم ووقوفهم .
} هل من جهات لم تفِ لـ”محمود” بقدر ما قدم للجميع؟
– كثيرون تحدثوا عن وفائهم لـ”محمود” ووقفتهم مع مشاريعه الخيرية بعد وفاته، لكنهم لم يأتوا أو يلتزموا.. فقط يستفسرون عن حال الأسرة.. وهناك من كانوا أقرب الناس إليه اختفوا بوفاته ولم أرهم بعد!! كما أن السيد “جمال الوالي” رئيس نادي المريخ – الذي كان يعشقه “محمود” ويسانده – قد وعد، ونحن في انتظار دعمه لمشاريع الراحل.
} ماذا تقولين في ذكراه؟
– الله يرحمه ويغفر له.. وابني “محمود” صوت متفرد لن يتكرر.. كان من أحب أبنائي، ومنذ وفاته صرت لا أحتمل سماع أغنياته على الإطلاق.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية