تقارير

زيارة الرئيس «البشير» إلى (أسمرا).. أحداث الجنوب في أعلى الطاولة

«البشير» في أسمرا أو «أفورقي» في الخرطوم أو حتى في كسلا وبورتسودان، مسائل أصبحت مألوفة وطبيعية نتيجة لتقدم العلاقات السودانية الإريترية، والإحصاءات تشير إلى عشرات الزيارات المتبادلة أو السفراء والمبعوثين من كل طرف للآخر. الرئيس «البشير» سيقضي حسبما هو معلن ثلاثة أيام في العاصمة الإريترية أسمرا تلبية لدعوة قدمها له الرئيس الإريتري «أسياسي أفورقي» لمناقشة عدد من القضايا المرتبطة بعلاقات البلدين.
{ إعلان رسمي
الإعلان عن زيارة الرئيس «البشير» إلى إريتريا سبقه عدد من الأحداث في المنطقة، ترتبط بواقع السودان السياسي والاقتصادي والأمني بشكل كبير، وتؤثر فيه سلباً وإيجاباً حسبما تفضي إليه النهايات هناك، وربما أبرز تلك التطورات على الإطلاق الأحداث التي ما زالت تدور في عدة ولايات بدولة جنوب السودان، ولكن رسمياً قال السكرتير الصحفي لرئيس الجمهورية «عماد سيد أحمد» لـ(المجهر) إن الغرض من زيارة الرئيس «البشير» إلى أسمرا، مواصلة التشاور حول عدد من القضايا المشتركة بين البلدين. وعاد «عماد» للتذكير بمخرجات اللقاء الأخير الذي جمع الرئيسين بالسودان، والذي اتفقا فيه على ضرورة مواصلة تبادل الزيارات بينهما دون انقطاع للتباحث حول المستجدات الإقليمية التي تهم البلدين.
ومن مدخل النقاش المعلن بين الرئيسين حول المستجدات الإقليمية، فإن صراع الفرقاء في دولة جنوب السودان وتأثيراته على مجمل المنطقة سيأخذ الحظ الأوفر خلال مباحثات الرئيسين. والناظر إلى علاقات إريتريا مع جنوب السودان يلاحظ أنها علاقات تاريخية قديمة تعود إلى ارتباطات في النظرية الثورية التي يتبناها الحزب الحاكم في إريتريا، والتي تتفق مع رؤى الحركة الشعبية التي كان يقودها الراحل الدكتور «جون قرنق دي مبيور»، ما جعل علاقة الطرفين تاريخياً تقوم على علاقات راسخة وقوية تعود إلى إيواء إريتريا ودعمها السياسي والدبلوماسي والعسكري لقوات التجمع الوطني الديمقراطي، وكانت الحركة الشعبية بقيادة «جون قرنق» تشارك بفاعلية في قيادة ذلك الفصيل المعارض للحكومة السودانية. كما أن الرئيس الإريتري «أسياسي أفورقي» تربطه علاقات شخصية قوية مع عدد من القيادات الحالية بدولة جنوب السودان، ومن بينهم الدكتور «رياك مشار» نائب الرئيس السابق وقائد التمرد الحالي.
{ القضايا الثنائية
السودان وإريتريا تربطهما علاقات تتطور مع مرور الوقت إلى الأفضل، ولكن تدخل فيها تعقيدات كثيرة تجعل السائر فيها يقظ الجفون ولا يمكنه التثاؤب والانشغال عنها، ورغم ذلك مضت العلاقات الرسمية في وضع مشاريع مشتركة بين البلدين تقوم على المصالح الاقتصادية التي تنعكس على المجالات الأخرى، وذلك جعل كل طرف لا يستطيع التخلي عن الطرف الآخر بسهولة لعمق الاحتياجات المتبادلة. وفي ذلك تدخل الحاجة المشتركة من الجانبين إلى عدم دعم وإيواء المعارضات السياسية أو المسلحة، التي كانت في فترات سابقة تنشط كل واحدة في مواجهة حكومة بلدها من داخل أراضي الدولة الأخرى، ولكن التعاون بين الطرفين أفضى إلى طرد إريتريا للتجمع الوطني الديمقراطي، ولعب دور في توقيع بعض فصائله على اتفاقيات سلام مختلفة، سواء اتفاق شرق السودان مع جبهة شرق السودان التي وحدت فصائلها إريتريا نفسها أو حتى التجمع الذي وقع على اتفاق القاهرة، كما أن الخرطوم طردت قيادات المعارضة الإريترية من أراضيها، وتم تنفيذ اتفاقيات أمنية بين البلدين قضت بتبادل المجرمين ومتابعة الأنشطة السالبة داخل أراضي كل دولة. بالإضافة إلى المصالح التجارية التي تنشط بشكل رسمي أو غير رسمي على حدود البلدين، وربما هذه واحدة من الملفات التي ترتبط بمناقشة قضايا التهريب وتهريب البشر والسلاح، فيما يعرف بأمن الحدود بشكل عام وأمن البحر الأحمر الذي يربط البلدين بشكل خاص، والملف الأخير له ارتباطات دولية أكثر من كونها ثنائية.
وبشكل عام، فإن الطريق البري الرابط بين مدينة كسلا في الجانب السوداني ودولة إريتريا الذي تم تنفيذه بين الدولتين بدعم قطري، وتم افتتاحه خلال زيارة شهيرة لأمير قطر الشيخ «حمد» إلى كسلا والتقى فيها في قمة ثلاثية جمعت الرئيس «البشير» وأمير قطر والرئيس الإريتري «أسياسي أفورقي»، ذلك الطريق وغيره من المشاريع الاقتصادية المتبادلة سواء الاستجابة لحاجة إريتريا من البترول أو الحبوب والمواد الغذائية المختلفة، تجعل هنالك صعوبات عملية تواجه تراجع كل طرف عن الاتفاقات المعلنة وغير المعلنة مع الطرف الآخر، وإذا كان السودان قد انقسم إلى دولتين فإن إريتريا لديها علاقة خصومة طويلة ومليئة بالدماء مع أثيوبيا منذ انفصال إريتريا بالاستفتاء الشهير في تسعينيات القرن الماضي، وفي ذلك اقترح السودان في القمم السابقة للرئيسين السوداني والإريتري أن يلعب السودان دوراً في تقريب وجهات النظر وإزالة العقبات التي تواجه العلاقات بين إريتريا وأثيوبيا بحكم علاقة السودان المتميزة مع الطرفين، ومصلحته في أن تستقر علاقتهما خلال الفترة المقبلة، وربما تكون هذه واحداً من الملفات التي تناقشها القمة ولكن باهتمام أقل.
{ قراءة الوفد
عموماً.. الزيارة هي الأطول للرئيس «البشير» إلى إريتريا في الفترة الأخيرة، باعتبار أنها تمتد إلى ثلاثة أيام تبدأ بـ(الخميس) وتنتهي في يوم غد (السبت). وبالنظر إلى الوفد المرافق للرئيس «البشير»، يمكن قراءة طبيعة الزيارة من عدة زوايا، إذ يرافق الرئيس «البشير» عدد من الفنيين إلى جانب وزير رئاسة الجمهورية «صلاح الدين ونسي»، ووزير الخارجية «علي كرتي»، ومدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق أول ركن «محمد عطا المولى».
ومن خلال تلك التوليفة، فإن الزيارة تركز بشكل كبير على قضايا أمنية سواء في القضايا الثنائية أو الإقليمية. ويقوم وزير رئاسة الجمهورية «صلاح ونسي» بترتيب القضايا والاتفاقيات التي يتوصل إليها الجانبان في جانب رئاسة الجمهورية، بينما يقوم وزير الخارجية «علي كرتي» بتنسيق حزمة الاتفاقيات وجدولة القضايا ومتابعة تنفيذها مستقبلاً من خلال المتابعة مع وزارة الخارجية الإريترية، بينما وجود مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق أول ركن «محمد عطا المولى» يأتي من باب أن القضايا الأمنية تتطلب وجوده إلى جانب عدد من مساعديه في إدارة الجهاز لمناقشة المطلوبات في إحلال السلام في جنوب السودان، وربما جمع الفرقاء في أسمرا، نظراً لعلاقات الرئيس الإريتري المتميزة مع الدكتور «رياك مشار». وكان «أفورقي» قد لعب دوراً شخصياً في أن يوقع «مشار» على اتفاقية الخرطوم للسلام في تسعينيات القرن الماضي، إلى جانب أن الرئيس الإريتري كان رأيه واضحاً ومعارضاً بشده لانفصال جنوب السودان، بل وتنبأ بأن يتحول قيام الدولة الجديدة إلى بؤرة للصراعات الداخلية التي تؤثر على المنطقة بأكملها، وقد قال ذلك في حوار بثه التلفزيون السوداني في الفترة التي سبقت إجراء الاستفتاء على مصير جنوب السودان.
{ محاصرة الصراعات
المتغيرات والتطورات في الساحة الأفريقية تمضي على عجل، والزيارات المتبادلة بين عدد من القادة الأفارقة من وإلى عواصم الدول المختلفة، تشير إلى وجود رغبة في محاصرة الصراعات الأفريقية في أطر أضيق والانتهاء منها في مقبل الأيام، وفي ذلك يدخل تنسيق أجهزة الأمن والمخابرات الأفريقية الذي تم في الخرطوم قبل أشهر مضت، والقاضي بضرورة تعاونهم منعاً للجريمة والاتجار بالبشر والمخدرات، وقبل ذلك كانت اجتماعات أجهزة المخابرات التي أفضت إلى تصنيف عدد من الحركات المسلحة في أفريقيا على أنها حركات إرهابية. وزيارة الرئيس «البشير» إلى إريتريا ليست بعيدة عن تلك الملفات، ولكن يبدو أن تعقيدات كثيرة ستواجه المخرجات المرتبطة بالقضايا الإقليمية، سيما في قضايا جنوب السودان، ويأتي ذلك من واقع أن المباحثات التي ترعاها الـ(إيقاد) تحتضنها العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، التي لا تتبادل وداً مع جارتها الإريترية أسمرا، إلى جانب أن إريتريا تواجه واقعاً دولياً غير مريح في تحركاتها وأدوارها الإقليمية، وذلك من واقع قطيعتها مع عدد كبير من الدول الغربية نظراً لمواقفها في الكثير من القضايا. وبأية حال فإن المصالح ربما تخالف التوقعات، وتأتي بما لا يمكن لزرقاء اليمامة أن تراه بالعين المجردة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية