كش ملك..!!
كمن يلعب وحده.. أو يتخيل أن لاعباً آخر يجلس أمامه.. يبدأ في تحريك رقع الشطرنج التي على الطاولة.. ينتصر مرات.. يهزم مرات.. يحاول أن يكون محايداً.. أن يكون شخصين في شخص واحد.. لكن الفكرة تنتهي إلى طريق مسدود.. فكلما انتصر في جولة مال للجيش الذي تقدم خطوة للأمام.. وحين يتقهقر ينقلب عليه وينضم للآخر.. أليس هذا هو الحياد نفسه؟! أن يتبنى الانتصارات.. أن يخفي هزائمه!
وتستمر اللعبة.. لعبة الشطرنج.. المربعات السوداء والأخرى البيضاء.. تلك الجيوش باللونين المميزين.. وعين على هذا الملك وأُخرى على الملك النقيض.. من سيخسر الجولة يا ترى؟! من يسقط أولاً؟! وهل يُغري كثيراً سقوط الخيل والعسكر.. الرُخ والطابية.. و.. ينتهي زمن الحياد.. ينحاز فجأة للملك الذي لم يفقد بعد سدنته.. الملك الذي سيقول للآخر: (كش ملك)!
لكن اللعبة لا تنتهي.. مغامرة أُخرى تبدأ.. وانقلاب تكتيكي ينسج خيوطه الآن.. سيناريو آخر للهزيمة والنصر.. فالحرب لا يكسبها أحد.. لكن يدفع ثمنها الجميع.. والمعارك لم تعد في ساحات المواجهة فقط.. بل تتسرب إلى داخل الحدود الضيقة إلى حنايا الذات وخبايا النفس!!
من أين له بالصبر الذي يجعله يترقب نهاية المعركة؟! ثمة ملل أخذ يتسلل إليه.. ربما هي رتابة الأشياء من حوله.. المربع الصغير الذي يحوي كل الفجيعة.. فجيعة الملوك الذين لا يرحلون إلا بعد رحيل كل الذين حولهم.. فهم آخر من يسقط في أرض المعركة.. وهم أول من يرى مصرع جنوده على يد العدو دون أن يكترثوا للنهايات!
كم هي سخيفة اللعبة.. أن تتصارعك فرحة النصر ومغبة الهزيمة.. فتفقد حيادك.. تنحاز للفرح.. ريثما يداهمك الحزن.. حيث لا يهم بعدها أي توقيع ستحمل المعركة.. توقيع الملك (أ) أم الملك (ب).. كلاهما مهزوم.. وكلاهما تحركه يد واحدة.. تبحث عن الحياد في الانحياز.. ولا تعرف لمن تقول في نهاية كل جولة: (كش ملك)!