النظامان في السودان ومصر
} ما أن يحدث تغيير في مصر على المستوى السياسي حتى يتطلع الناس لتغيير مماثل في السودان،
ويستغلون أي حدث ليؤكدوا صحة توقعاتهم. عندما وقع انقلاب (23) يوليو 1952م في مصر، تطلع الناس لتغيير مماثل في السودان، ولكن السودان كان في ذلك الوقت تحت الاستعمار البريطاني. وبالفعل وقع التغيير بعد عامين من الاستقلال، إذ تسلم العسكر السلطة في نوفمبر 1958م بقيادة الفريق “عبود”، وبالفعل حدث توافق بين النظامين العسكريين في مصر والسودان، فانعقدت اتفاقية (مياه النيل) التي سمحت بإنشاء (السد العالي).
} ويلاحظ أن العلاقات بين البلدين تكون في أحسن أوضاعها عندما يسيطر العسكر على الحكم هنا وهناك. في عهد “نميري” بلغت العلاقات ذروتها في التحسن لدرجة التفكير في الوحدة الاندماجية. والآن يتطلع الناس إلى مزيد من التفاهم استناداً إلى أن العسكر يسيطرون على الأوضاع في البلدين، وقد أكد التغيير الوزاري الأخير هذا التوقع، فما هو مستقبل العلاقة مع مصر؟
} صحيح أن النظامين على رأسهما عسكريان، ولكن الأوضاع في البلدين مختلفة، فالنظام في مصر يسير نحو تعددية مستقبلاً حسب ما يقول أتباعه، وهو لا يستند إلى مرجعية دينية كما هو الحال في السودان، لكن هذا لا يمنع التفاهم لمصلحة البلدين، فمصر مصيرها أن تعود إلى التعددية، وحتى النظام العسكري الحالي لا يرفض ذلك. والقوانين التي يضعها لا تمنع قيام الأحزاب من أي نوع، والبلدان بحاجة إلى تبادل الخبرات في الكثير من الأمور لا سيما في موضع رفع الدعم في بعض السلع.
والأمور المطروحة الآن على الساحة رغم التحذيرات وهي نفس التحذيرات التي قيلت للنظام في السودان، ولكن الدعم رفع ولم يقع ما حذر منه الناس رغم التخريب الذي حدث.
} في السودان الآن حكم تعددي تشارك فيه عدة أحزاب يهيمن عليها المؤتمر الوطني، وفي مصر يسعى النظام إلى نظام مماثل تحت هيمنة حزب يكون تابعاً للسلطة بطريقة “السادات”. في السودان هناك سيطرة للإسلاميين رغم وجود الجيش باعتبارهم أكثر الأحزاب تنظيماً وشعبية، وفي مصر يواجه الإخوان المسلمون عداء العسكر وغالبية الأحزاب تحت وهم أن الإسلاميين سيمنعون السياحة ويوقفون عجلة الحياة بتطرفهم. ويمكن للسودان أن يكون وسيطاً هناك ويطمئن النظام في مصر أن الإسلاميين ليسوا على هذه الدرجة من التعصب الأعمى، ويمكن للنظام في السودان أن يكون وسيطاً بين الفريقين، لكي تتاح للنظام في مصر فترة انتقالية قبل الانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية.
} الإخوة في مصر لديهم وهم يسمى التنظيم العالمي الإخواني الذي له إمكانات كبيرة وباستطاعته تحريك الأحداث، وقد ثبت الآن أنه لا يوجد تنظيم عالمي تلقى عليه كل المسؤولية. لم يبقَ إلا أن يقتنع الإخوة في مصر بذلك، ويقتنعوا أيضاً بأن مجئ الإسلاميين للسلطة لا يعني توقف عجلة الحياة، ولا يعني تأثر قطاع السياحة وبإمكانهم اتخاذ نموذج السودان، إذ لم يتأثر أي قطاع بوصول الإسلاميين للسلطة، وظلت عجلة الحياة في دورانها.
لقد استفاد الجيش في مصر من جماعة الإخوان وهو يعد لانقلاب (23) يوليو، إذ كانوا يقومون بطباعة المنشورات، وقام بعضهم بالتجسس لصالح الضباط الأحرار، ولعب ذلك دوراً في نجاح الانقلاب. وكان تنفيذ الانقلاب نفسه على يد بعض أفراد من جماعة الإخوان، بل يقال إن “عبد الناصر” نفسه كان عضواً في هذه الجماعة. كل هذا يقرب المسافات بين النظامين ولا يجعل الإخوان، هو ذلك الشيطان الرجيم الذي يخوفون منه الناس، إنما هم جماعة يمكن التفاهم معهم كما فعل “عبد الناصر” و”السادات”. المهم أن يتم تبادل الحوار في مناخ صحي بعيداً عن أوهام الاستئصال الذي يطالب به الإعلام المصري، ووهم التنظيم العالمي الذي لا وجود له.
> سؤال غير خبيث
هل يستحيل تفاهم النظام في مصر وجماعة الإخوان كما حدث من قبل؟