أخبار

اشتري نفسك..!

هي عملية منظمة.. ومنظمة جداً.. هؤلاء الباعة المتجولون يشتغلون لصالح جهة أو جهات ما.. والبضاعة التي بين أيديهم ليست ملكهم.. بل يتحصّلون على نسبة ضئيلة جداً من عائدها!!
ما الدليل على ما نقول؟ إنه واضح كالشمس.. فجميعهم أو مجموعات منهم يظهرون من حين إلى حين ببضاعة محددة.. كلها متشابهة.. ورغم أنهم باعة متجولون لكن لكل منهم (إشارة مرور) أو طريق معيّن ومحدد لا يستطيع تجاوزه.. كما أنهم لا يحملون كل البضاعة دفعة واحدة.. بل بعضها فقط.. أو مجرد عيّنات منها.. وحينما تنفذ يظهرون فجأة بكميات أخرى منها.. أي أن هناك نقاط توزيع وتحصيل بالقرب منهم.. كل ذلك ألا يعني أنهم ينتمون لجهات معلومة تحاول أن تُغرق الأسواق بهذا النشاط التجاري الذي لا تؤخذ عليه رسوم ولا ضرائب ولا جبايات، ولا يشترط في بضاعته تاريخ الانتهاء أو صلاحية الاستهلاك.. كما لا سقف لأسعاره التي تعتمد على قاعدة (يفتح الله.. يستر الله)!
وإذا كان حديث البعض حول هذه الظاهرة ظلّ يتركّز على بُعدين أساسيين هما عرقلة حركة المرور والتسبب في الحوادث أو وجود نشاط موازٍ للأسواق القائمة والمعتمدة يؤثر عليها وعلى قوتها الشرائية وبالتالي على اقتصاد البلد.. إذا كان هذا الحديث يتردد كثيراً فما لا يقال غالباً هو التساؤل حول الجهات نفسها التي تتبنّى وتُموّل هذه الظاهرة التي انتشرت على نحو سافر.. وعلى مرأى ومسمع من رجال المحليات والشرطة والمرور وكأن هذا النشاط خارج المساءلة وفوق القانون..!
نحن لسنا مع سياسة (قطع الأرزاق) ولا نُحمّل هؤلاء الأطفال والصبية والشباب مسؤولية الذي يحدث لأنهم لو وجدوا دراسة أو عملاً آخر لاستغنوا به عن ملاحقة السيارات تحت أشعة الشمس معرضين أرواحهم للخطر ليخرجوا بعد نهاية يوم شاق من العمل ببعض الجنيهات أو الدنانير القليلة.. بينما تتضخم جيوب التجار الكبار الذين لا يراهم أحد.. وينتهي دورهم عند توزيع البضاعة على هؤلاء الباعة ثم قبض الثمن..!
الغريب في الأمر هو أنّ هذه التجارة التي تعتمد في قوتها الشرائية على راكبي السيارات تطرح في كل يوم صنوفاً جديدة من البضاعة المغرية.. ولم تعد كما السابق تقتصر على (المناديل الورقية) وبعض السلع الصغيرة الحجم.. إنهم الآن يعرضون مفارش السجاد الضخمة والطاولات والكراسي وليس بمستبعد أن ينتقل كل السوق وبضاعته الثقيلة إلى الشوارع وعلى نحو لن تجد معه السيارات مخرجاً مرورياً إلاّ بعد انتهاء ساعات دوام السوق المتجول وتصريف ما تبقى من بضاعته إلى المخازن!
وبالأمس القريب شاهدتهم – أي هؤلاء الباعة – يعرضون نوعاً من (المرايا) ذات الحجم الكبير.. يظهرون فجأة – كالسحرة – ويعرضون المرآة أمام بصر راكب السيارة لينظر – رغماً عن أنفه – إلى وجهه.. كأنهم يريدون أن يقولوا له.. هيا اشتري نفسك وإلاَّ…!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية