المشهد السياسي

في ميلاديَّة الإمام نقول ونذكِّر

ظل الخامس والعشرون من ديسمبر، من كل عام، وهو موسم أعياد الميلاد أو الكريسماس، مناسبة للاحتفاء بميلادية السيد الإمام “الصادق المهدي” – متعه الله بالصحة والعافية – فقد ترافق وتوافق ميلاده مع ميلاد السيد المسيح، بل أن جده الإمام “عبد الرحمن المهدي” – وكان يجلس في حديقة منزله وقد حطت (حمامة) على كتفه – سأل: مَنْ مِنْ زوجات أبنائي يتوقع لها أن تلد قريباً؟ فقالوا له إنها السيدة “رحمة” زوجة ابنك السيد “الصديق”.. فقال (إنها ستلد من سيكون له شأن..!).
وهذه الرواية ليست من عندنا، وإنما من إحدى ذكريات السيد الإمام “الصادق”، الذي كانت فكرة الاحتفاء بميلاديته لأول مرة من جدته، وهو ما ظل يواظب عليه أفراد أسرته وأعضاء مكتبه، وظل مناسبة سياسية سنوية يدعى لها رجال الإعلام والسياسة والمجتمع، وإن كانت في الفترة الأخيرة ليس لها من الزخم في الحضور ما كان لها، رغم ما استجد في سيرة الرجل خارجياً بصورة خاصة.
إحدى صحف الجمعة، وقد كانت الاحتفائية بالأربعاء، أوردت أن المناسبة (79) كانت غالب الحضور فيها من النساء، وكانت كريمته “رباح” قد بكت فرحاً، وشقت زغرودة الدكتورة “مريم” عنان سماء الحي والمكان حيث المناسبة..! وبطبيعة الحال لم تنس الصحف الأخرى وكُتاب الأعمدة فيها ذكر المناسبة، بل إن (أخبار اليوم) أوردت في اليوم التالي (الخميس) مباشرة نص كلمة المحتفى به في المناسبة، وهي في جملتها وكالمعتاد فرصة:
– للخطاب السياسي.
– وإطراء الذات.
– ولمس القضايا الحزبية.
وخطاب الإمام “الصادق” السياسي في المناسبة، وفي (مؤتمر إذاعي) مع الأستاذ “الزبير عثمان”، لم يقتصر على قضية جنوب السودان، حيث الوضع هناك الذي تداعى معه الكثيرون من دول الجوار والمحيط الأفريقي والعالمي والأمم المتحدة والسودان – حكومة ومعارضة بطبيعة الحال – وكل بحجمه ووزنه ومسؤولياته الوطنية، رغم قول الإمام الصادق إن هناك (شامتين) في الحدث، وإن أحزاب المعارضة (ميتة)، ومع ذلك يتوقع أن تكون لها مبادرة في إطفاء نار الحرب في الجنوب، أدلى هو ببعض مفرداتها وعناوينها الكبيرة التي في جملتها من (عنده)، وهو الذي يقول إن الأحزاب المعارضة ميتة ولها مشاكلها.. وهذا ليس بعيداً عن الواقع، وإن كان الحال لا يستدعي ذكر ذلك في الوضع الراهن وهو يحدثنا عن مبادرة حزبية هدفها إصلاح الحال في دولة جنوب السودان.. فالعاقل من بدأ بنفسه إصلاحاً للحال والتوافق.
وأما عن قضايا الحزب، وأبرزها التنازع بين المؤسسات والقيادات، فقد اعترف بذلك، وقال إن المؤتمر العام للحزب الذي سينعقد في العام المقبل هو الذي ينتظر منه معالجة ذلك.. إلا أنه كما درج كل مرة حمّل مسؤولية التشقق والانقسام في الحزب، إلى الحزب الحاكم، ناسياً دوره الخاص كزعيم حزب (معمر) ويستعين بعصا الإمامة على السياسة.. ويُعلي دور أسرته في الحزب. ونذكر هنا الدكتورة “مريم الصادق” (“بيناظير” بوتو الحزب) على غيرها من الرموز..! فهي – أي “د. مريم” – الأعلى حساً وحضوراً في الساحة السياسية الخاصة والعامة، من الدكتور “إبراهيم الأمين” – أمين عام الحزب. فحزب (الأمة القومي) بمرجعيته الأسرية التاريخية لم يترك لمن هم خارج الأسرة من دور يذكر، وهذا ما جعل رموزاً معروفة تهجر الحزب وتغادره، من أمثال “بكري عديل” و”عبد الرحمن فرح” و”شريف التهامي”، بل السيد (العم) الإمام “أحمد المهدي”.. والقائمة تطول.. وعليه، فمع تحميل الغير المسؤولية – وإن كان للحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) ما يذكر له في هذا السياق – إلا أن السيد الإمام الذي يُعنى أكثر بحضوره الخارجي وحصد ما تيسر من الجوائز والقبول من الحضور الحزبي والمؤسسي، هو من يتحمل مسؤولية ما يجري داخل الحزب وحوله، فما حكّ جلدك مثل ظفرك..!
ومشهد آخر في الشأن السياسي الداخلي هو أن الإمام “الصادق”، ورغم ما يذكر من إطراء خارجي بشخصه، فهو لا يعترف للآخر الحاكم بفضيلة.. أي لا يرى من الكوب إلا نصفه الفارغ..! فالنظام الحاكم في نظرة ليس له من حسنة تذكر (ترى بالعين أو تلمس باليد)، فهو (أي النظام):
– غير ديمقراطي ووضع يده على السلطة بالقوة.
– فاسد.
– لا همّ له إلا (التمكين)..
– وكان السبب في انفصال الجنوب والحرب في دارفور.
وهذا كله لا يخلو من الحقيقة، إلا أن النظر إليه ينبغي أن يكون بموضوعية وأكثر شمولاً وتعبيراً عن الواقع الذي فيه ما يذكر ويشار إليه.
إن مما يحسب للسيد زعيم حزب (الأمة) وإمام الأنصار، أنه مع التغيير السلمي، وليس حمل السلاح، رغم أن (جيش الأمة) – وقد كان معارضاً في الخارج – كان إحدى أدوات حزبه في التغيير، بيد أن التغيير السلمي وحده لا يكفي، وإنما يلزم أن تتبعه (مصداقية) ورؤية متكاملة للشأن الوطني والعام.. فما هو إنجاز ينبغي أن يكون إنجازاً وإضافة للأجندة الوطنية التي بدأت بالاستقلال وشعار (التعمير بعد التحرير) الذي رفعه (مؤتمر الخريجين) ومشت عليه الأحزاب السودانية والوطنية التي انبثقت منه، فهناك من الإنجاز – كما سبق أن ذكرت أعلاه – ما يشار إليه ويمكن أن يبنى عليه في المستقبل إذا ما قدر للنظام الحاكم اليوم أن يخلفه نظام حاكم آخر غداً.. فالمعارضة اليوم تبعاً للعرف العالمي هي حكومة الظل التي ستخلف الحكومة الحالية ديمقراطياً أو بغير ذلك – نسأل الله السلامة..!
إن شعار (التمكين) الذي رُفع منذ أول عهد النظام في مفتتح تسعينيات القرن الماضي، لم يكن شعاراً عبثياً، وقد كان النظام الديمقراطي المنتخب قبل ذلك يعاني من سيطرة بعض الأحزاب (الشيوعي مثلاً) على النقابات المهنية التي كانت هي قاعدته وأدواته في فرض أجندته السياسية، فالإضرابات والاعتصامات السياسية وغير المطلبية والمهنية، كانت هي الغالبة وصاحبة اليد في عدم الاستقرار.. إذ كانت ممارسة يومية تقريباً.. مما شكى منه النظام الائتلافي الحاكم يومئذٍ.. فكانت تلك علة ينبغي التخلص منها، لا سيما أن الحزب (الشيوعي السوداني) ومكونات اليسار بشكل عام لا (جماهيرية) لها.. ومن ثم فهي لم ترَ في الانتخابات العامة محققاً لرغبتها وأهوائها السياسية، فهي ترفضها.. وذلك ما كرر ذكره قبل أيام السيد “محمد مختار الخطيب” – سكرتير الحزب (الشيوعي) الحالي – في مقابلة له مع هذه الصحيفة الأسبوع الماضي.
وما تم من انفصال لجنوب السودان عن شماله، فهو إنفاذ لاتفاق (سلام نيفاشا) الذي أمن عليه الجميع تقريباً، ومخرجاته في ذلك الخصوص كانت مما قررته أحزاب المعارضة في مؤتمر أسمرا 1995م بإعطاء الجنوب حق الاستفتاء على خيار الانفصال، مما عرف بمقررات أسمرا المصيرية التي سبقها (لقاء شقدم) بين حزب (الأمة القومي) و(الحركة الشعبية) قبل ذلك بقليل، وقد حضره يومئذٍ السيدان “مبارك” ود. “عمر نور الدائم” من حزب (الأمة).. و”عرمان” و”باقان” من (الحركة الشعبية).
اتفاق السلام ببروتوكولاته المعروفة كان قد أنهى حرباً بين الجنوب والشمال استمرت لعشرين عاماً.. وكان يمكن لذلك أن يحقق الوحدة لولا رحيل القائد “جون قرنق” المبكر وتدخل بعض الجهات الخارجية في العلاقة بين شريكي السلام لأسباب عرفوها وقدروها يومئذٍ.. وجاء الوقت مؤخراً ليفتي بعدم جدواها.
ونأتي في الختام لـ (إطراء الذات) الذي ينعم خطاب السيد الإمام “الصادق المهدي” به وهو يخاطب حضور ميلاديته الأخيرة من الضيوف والأحباب والرأي العام بشكل عام.. وهو ما درج عليه المحتفى به في تلك المناسبات، إلا أن ما جاء بالأمس في ذلك الخصوص والشأن اختلف عن غيره، والإشارة هنا إلى:
– حصول السيد الإمام على جائزة (قوسي) الفلبينية، الشيء الذي فرح به الكثيرون من داخل الحزب وخارجه.
– وغير ذلك قائمة الـ(مائة) شخصية العالمية ذكراً وشهرة، وكان موقع السيد الإمام “الصادق المهدي” في ذلك هو الرقم اثنان وعشرون..!
إن للسيد الإمام ذكره الفكري والثقافي والإسلامي – لا ريب – إلا أن التركيز على ذلك (خارجياً) كان ينبغي أن يرافقه ذكر داخلي وفي وطنه.. فالسيد الإمام وهو لا يحفل في ما يجري داخلياً بغير الإخفاق وما يحسبه أخطاء دون غيرها، يقدح في ذمته السياسية، وهذا لا ينسجم أو يتوافق مع ذكره والإشادة به خارجياً.
فمن هو محمود ومشكور ومذكور خارجياً ينبغي أن يكون كذلك داخلياً، وإلا أصبح (كلام والسلام)، أو شهادة مجروحة لا يصدقها أهل الداخل، وهذا ما هو أهم من غيره..!
السيد “المهدي” وهو يستخدم الهاتف السيار والوسائط التقنية وينعم بالماء والكهرباء والظهور على الإعلام المقروء والمسموع والمشاهد، والصيرفة الالكترونية والـ (Delivery).. وغير ذلك كثير ومثير.. عليه أن يعطى ذلك حقه لـ (تكتمل الصورة..!) كما تقول قناة (النيل الأزرق).. وعلى كلٍ نقول للسيد “الصادق المهدي”.. عيد ميلاد سعيد وكل عام وأنت والأسرة بخير.. وعقبال مائة عام.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية