مأزق الانقلابيين في مصر!
} أنصار الانقلاب في مصر يعيشون حالياً في مأزق.. وجد الفريق “السيسي” حماساً من كثيرين واعتبروه منقذاً لمصر من الفوضى، لكن هذه الشعبية تتآكل الآن بعد مرور عدة أسابيع وبعد أن حاصرته المشاكل واضطر لاتخاذ قرارات غير مدروسة زادت الأمور سوءاً.
} مجموعة كبيرة من الصحافيين تحمسوا له وأعطوه قداسة، إذ رأوا فيه نسخة أخرى من “جمال عبد الناصر” وسبح البعض مع الخيال على أساس أن “السيسي” سيعيد سيرة “عبد الناصر” وأنه سيسير على خطواته.. وهؤلاء نسوا شيئاً بسيطاً هو أن الظروف المحلية والعالمية الآن مختلفة، وتغيرت اتجاهات كثيرين لأن الأوضاع اختلفت. كان “عبد الناصر” ثائراً ضد نظام ملكي فاسد يحمي مجموعة كبيرة من الإقطاعيين الذين احتكروا الأرض والمناصب والتعليم، إذن كانت هناك مشكلة تتطلب المعالجة العاجلة، فبدأ بأولها وهو الحكم الملكي، فأزاله، وأصبحت مصر جمهورية، وفقد الباشوات امتيازاتهم وألقابهم وأضحوا مواطنين عاديين مثل غيرهم من البشر.
} كانت مصر في العهد الملكي تتجه غرباً في كل شيء، ثقافتها وعاداتها وحتى تسليح جيشها، فغيّر “عبد الناصر” كل ذلك وأوقف استيراد السلاح من الغرب واتجه ناحية الشرق، وكان هذا شيئاً جديداً، وكانت الظروف الدولية نفسها في صالح الانقلاب وصالح المبادئ التي يدعو لها.. كان هناك اقتناع بالحكم الشمولي في كل أنحاء العالم، وكان هناك الأنموذج الستاليني الذي استطاع القفز بـ (روسيا) خلال سنوات قليلة بعد تطبيق ثلاث خطط خمسية، وقام بإصلاح زراعي وصناعي جعل (روسيا) دولة متطورة صناعياً، فتطلعت كل الدول إلى نظام مماثل لنظام ستالين.
} مصر الآن، أرادت أم رفضت، هي في أحضان الغرب الذي ينادي بالحرية ولا يعترف بأي نظام شمولي، وهذه أولى مشاكل النظام، لأن مزاج الشعب نفسه تغير ولم يعد متحمساً لنظام شمولي حتى لو كان على رأسه “عبد الناصر” نفسه أو نسخة أخرى منه.. والذين يتدخلون في شؤون الدول الداخلية حالياً دون إذن هم منظمات حقوق الإنسان والدول المؤيدة لها.. وهي لن تسمح لنظام شمولي مدني أو عسكري لأنها تراه ضد رغبات الشعب.
الآن الذين أيدوا الانقلاب في البداية في حيرة من أمرهم، فهم ظنوه دعوة إلى التحرر من حكم الأخوان، لكنهم لم يظنوا أنه سيكون نظاماً عسكرياً يمنع الحريات.
} ورغم محاولة النظام تقنين أي شيء، إلا أن ذلك لم يقنع أحداً حتى الآن.. والشعب لم يفهم لماذا يصر النظام على أن يحاكم المدنيين أمام محاكم عسكرية مع أنهم قبلوا ذلك من “عبد الناصر”، بل وصفقوا له لأن الأوضاع مختلفة كما ذكرنا والظروف والأفكار اختلفت، وأمام “السيسي” أن يقنع المصريين بأنه “جمال عبد الناصر” آخر، وأن الظروف حالياً هي نفسها التي حدثت في الخمسينيات، وهذا أمر صعب إن لم يكن مستحيلاً، فكيف يقنع الناس بالموافقة على دستور يجعل وزير الدفاع بسلطات تفوق سلطات رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية، وأنه من الطبيعي أن يقضي في السلطة ثماني سنوات رغم أنف رئيس الوزراء، ربما ينتبه “السيسي” ولا يطبق تلك القوانين حتى لا يحصل على كراهية الشعب.. ولكنه في النهاية سيكون أمام تحدي الانتخابات الحرة النزيهة، وأن يسمح للرئيس السابق بالترشح أمامه، وبعد ذلك هو أمام تحدي الفوز عليه في انتخابات حرة نزيهة، فهل “السيسي” على استعداد لكل ذلك.. وهل يضحي بالسلطة الآن ويكسب المستقبل والتاريخ؟!
} سؤال غير خبيث
هل تصدق آخر الاستطلاعات التي قالت إن شعبية “السيسي” (42%) بينما شعبية “مرسي” (51%)؟!