«تاج السر محمد صالح».. هل تعود نجوميته؟
الأستاذ “تاج السر محمد صالح” القيادي بالاتحادي (الأصل) كان يحوز على الجناح الظليل والمباركة السامية والدفء الملحوظ من مولانا “محمد عثمان الميرغني” في منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم، فقد كان الرجل ملء السمع والبصر في باحة الحزب، يتحرك بلا كوابح من خلال رحابة فوق العادة، فالشاهد أن مولانا كان مهتماً يومذاك بتدليل ورعاية “تاج السر” كما يفعل القادة الكبار مع أصفيائهم في إطار تصعيدهم إلى الدرج الأعلى، حيث انعكست تلك المعطيات في ذلك الوقت بتعيين “تاج السر” في منصب وزير الدولة للخارجية، ثم وزيراً بالقصر خلال الديمقراطية الثالثة، فضلاً عن توليه أمانة الشباب بالحزب.
مرت مياه كثيرة تحت الجسر على خلفية انقلاب الإنقاذ 1989م حتى جاء مؤتمر المرجعيات بالقاهرة عام 2004م وتم انتخاب “تاج السر” نائباً للأمين العام مع المرحوم “فتحي شيلا”، وبعد ذلك قام مولانا بإجراء تغييرات في هيكلة الحزب كانت خصماً على مكانة “تاج السر”، بينما صعدت رموز أخرى، وقد شعر الرجل برياح التهميش والإهمال، غير أن “تاج السر” قابل تلك الأوضاع بأدبيات الراهب المتبتل في محراب الشيخ، .. لم يتبرم ولم يغضب فقد طوى الألم والحسرة في ضلوعه، فهو يرى أحكام مولانا سراً دفيناً وشعيرات باذخة من علم الباطن.
في الصورة المقطعية جاءت محطة تعيين “تاج السر محمد صالح” مشرفاً على منطقة الخرطوم بالاتحادي (الأصل)، فقد صاحبت تلك الخطوة اشتعال الصراع الدامي بين أنصاره ولجنة الأستاذ “محمد عثمان الحسن”، حيث كانت الخلافات كثيفة بين الطرفين أدت إلى قيام لجنتين، كلاهما لا يعترف بالآخر، وإذا حاولنا إضاءة المصابيح حول تعامل الرجل في الصراع الملتهب بين الفريقين، نجد أن “تاج السر” قام بدور الظالم والمظلوم في آن واحد.. فهو قد ظلم اللجنة المنتخبة التي تضم رموزاً سامقة في مجال العمل النقابي والسياسي مثل “جماع” و”البرعي” ولم يعترف بوجودها، وناصر قرار تجميد بعض أعضائها ارتكازا على روح الخصومة والانتقام، وبالقدر ذاته كان “تاج السر” مظلوماً من منطلق أن لجنة “محمد عثمان الحسن” ناصبته العداء من الوهلة الأولى، ولم تعترف بقرار تعيينه، ولم تفكر في التفاهم معه للوصول إلى صيغة جامعة!!
يعتبر “تاج السر” من قيادات الاتحادي (الأصل) التي تؤيد دخول الحزب في السلطة، فهو لا يخفى هيامه نحو المؤتمر الوطني ولم يستوعب الكثيرين إدراك ما وراء موقفه فقد ظل دائماً يبشر بجدوى التلاحم مع حزب الأغلبية الحاكم، في حين استعصى على بعض الإتحاديين وصف مسلكه بالانتهازية والكسب الذاتي.
كان “تاج السر” مصدر إلهام وعشم من بعض القيادات الوسيطة والشبابية أمثال “أسامة هلال” و”هاشم عمر” و”مالك درار”، وكانوا يرون في الرجل رمزاً للقدوة الحسنة، غير أن البعض انفض من حوله لاعتبارات تقديرية.
ها هي الإشارات الدقيقة الواردة من لندن تشير إلى تفكير مولانا في رسم تكاليف جديدة للأستاذ “تاج السر محمد صالح” رُوعي أن تعانق أرض الواقع في تكتم شديد خلال المستقبل، وربما تكون تلك الخطوات مطبوخة بعد عودة مولانا، فالشاهد أن هنالك توصية مغلقة في صندوق رشحت “تاج السر” لتولي حقيبة وزارية.. وربما تكون التجارة .. أو الحج والأوقاف .. ودائماً ما يكون النفي من مكتب مولانا يعكس التأكيد الذي يزحف على مقبل الأيام..
السؤال المركزي.. هل تعود نجومية “تاج السر” من جديد؟ وهل رأى مولانا “محمد عثمان الميرغني” أنه امتحن الرجل ويريد توزيع جائزة الصبر له؟
في الأسطورة الإغريقية يوجد طائر الفينيق الذي ينحسر ويموت تحت الرماد، ثم يعود من جديد إلى الحياة مع شروق الشمس.. يا ترى هل يكون “تاج السر محمد صالح” هو طائر الفينيق في الاتحادي (الأصل).
مهما يكن فإن الرجل أمامه تحديات المصالحة والروح الوفاقية مع لجنة “محمد عثمان الحسن” المنتخبة، وأيضاً أمامه إمكانية محو امتعاض العديد من الاتحاديين من موقفه المؤيد للمشاركة، فضلاً عن استعداده للخروج بإطلالة جديدة على باحة الحزب.
لا أحد يدري الدور المرتقب للأستاذ “تاج السر” في المستقبل؟ وقد تكون الإجابة القاطعة في مخيلة مولانا على المستوى الشخصي.