لماذا الخوف من الإسلام؟
يدهش الأوروبيون من حالة الرفض للإسلاميين في كثير من الدول الإسلامية، وأكثر ما يدهشهم هو الحماس لهم في انتخابات حرة وحصولهم على شعبية كبيرة وارتفاع الهتافات بالشعارات الإسلامية في كل المناسبات، فهل نجح الغرب في تخويفنا من الإسلاميين، أم أن الخوف ينبع من داخل نفوسنا؟.
السبب هو الاعتقاد أن الحياة في ظل دولة إسلامية تكون خالية من المرح، وقد رسّخ ذلك داخل الكثيرين بعض رجال الدين الذين جعلوا الدين نقيضاً للحياة الممتعة بالمفاهيم الأوروبية.. كما أن هناك من آمنوا بما يدعيه الغرب بضرورة الفصل بين الحياة اليومية والدين كما هو الحال في أوروبا، والمشكلة أن رجال الدين في الإسلام لم يبذلوا أي جهد لإزالة هذا الفهم الخاطئ، بل بالعكس هم يرسخونه أكثر.. والحركات الإسلامية ظلت مغيبة على حياتنا حتى وقت قريب، ولعل أول محاولة لإعادة الإسلام إلى حياتنا منذ عهد الخلفاء الراشدين كان خلال الدولة العثمانية التركية التي قاومت النفوذ الأوروبي، مستندة إلى رعايتها للإسلام والمسلمين، ولكنها كانت متأثرة بالثقافة الأوروبية في التشريع والقوانين والمباني، وربط أناس بين تقدم أوروبا وبين هجرها للدين، فأصبح من يريد التطور عليه أن يتحرر من الدين، وأصبح هذا الاعتقاد كامناً في نفوس الكثيرين، واعتدنا منذ أن ابتلينا بالاستعمار على هذه الحياة المزدوجة، بل أخذ بعضنا يبالغ في تقليد الأوروبيين في عاداتهم لدرجة أن مجموعة كبيرة من المسلمين لا يجدون حرجاً في شرب الخمور بتشجيع من الأوروبيين وتحكمهم في الوظائف طوال حقبة الاستعمار، واضطرار البلاد التي استعمرت إلى تقليد الأوروبيين على أساس أن هذه هي الحياة، شجعهم على ذلك اكتفاء الإسلاميين بعزل أنفسهم عن حركة الحياة، فتركوا الساحة خالية لأعداء الدين لكي يصوروا الدين بمظهر المتخلف عن إيقاع العصر دون أن يجدوا من يوقفهم عند حدهم، فخرجت أجيال وهي لا تسمع سوى نغمة الحياة الأوروبية، وبقي الإسلاميون بعيداً لاعتقادهم أنهم فعلاً خارج إيقاع العصر، مما ساعد ترسيخ هذا الاعتقاد أسلوب الحياة الذي اتخذناه حتى أصبح الدين عند الكثير عودة إلى الحياة المتخلفة.. وانفتحت المعاهد والجامعات على نظيراتها الأوروبية وأخذ طلابنا يهاجرون إلى أوروبا لعشرات السنين ويعيشون العادات الأوروبية، بل تزوج بعضهم من نساء أوروبيات واضطر للتصرف مثلهم في كل شيء، حتى لا يبدو غريباً وحتى يحصل على إعجاب الأوروبيين ويقبلونه ضمن حضارتهم.
لقد ظل الإسلام نائماً لفترة طويلة امتدت لقرون وعندما أفقنا في العصر الحديث لم نجد أمامنا سوى النموذج الأتاتوركي الذي أكد أن تخلف الشرق لا يمكن الخروج منه سوى بالانتماء للثقافة الأوروبية، وأكد ذلك عملياً عندما ألغى نظام الخلافة ووضع نظاماً غربياً للتعليم، وأصبح نظام الحياة غربياً في كل شيء، حتى اعتقد الناس أن التقدم لا يأتي إلا عبر الأسلوب الأوروبي.
وفي العصر الحديث حدثت رجعة للدين كرد فعل لهجر المسلمين للدين، وبدلاً من تقريب المسافة بين الدين والعلم حدث العكس.. والحركات الإسلامية كانت ردة فعلها مبالغة في رفض أسلوب الحياة الغربية، إذ لم يروا فيها حسنة واحدة مع أن كل التطور العلمي الحالي جاءنا من الغرب، ولم نبذل أي جهد للمساهمة في الحضارة المادية، وتركنا الساحة للأوروبيين، وكان ذلك أكبر أخطائنا لأننا في الماضي لم نرفض الحضارة الأوروبية بل أخذنا ما يفيد منها. وكان شيئاً طبيعياً أن تكون هناك جفوة بيننا وبين العلم الحديث رغم أن الحياة لا تتطور إلا به، وظن الكثيرون أن الإسلام يمنع أي محاولة للتطور، لذا نجد أحد المسلمين يؤدي كل واجباته الدينية لكنه يرفض أن يعيش في دولة دينية.
{ قالوا .. ونقول
قالوا بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً.. نقول طوبى للغرباء.