«الترابي» في عاصفة الأحداث .. ماذا وراء جدار الصمت؟!
الدكتور أو الشيخ «حسن عبد الله الترابي» الذي اشتهر اختصاراً باسم «حسن الترابي»، هو من الشخصيات المثيرة للجدل في تاريخ السودان الحديث، وارتبط اسمه في أذهان الناس بكونه الأب الروحي لحركة الإسلام السودانية قبل المفاصلة الشهيرة، بجانب ارتباطاته التاريخية بالتنظيم الإسلامي العالمي في السنوات الماضية وبحركة الإخوان المسلمين قبل اختلافه مع قادتها.
الرجل له طريقة تميزه عن أقرانه، واشتهر بلغة الإشارة والسخرية اللاذعة من خصومه السياسيين ومنافسيه في المراحل المختلفة.. ونظراً لتلك الصفات وغيرها، يجد اهتماماً كبيراً من أجهزة ووسائل الصحافة والإعلام الإقليمية والدولية، وتتنافس الصحف المحلية للظفر بلقاءات معه أو تصريحات في الحد الأدنى، لكن الرجل في الفترة الأخيرة ظل صامتاً أو ضُرب بينه وبين الصحافة المحلية سور له سياج متين، وحيل بينه وبين الحديث سواء بشكل صريح أو حتى ضمني، ويأتي ذلك في ظل متغيرات ومياه تتحرك بقوة أعلى الجسر وأسفله وعلى جنباته، والساحة تشهد متغيرات كبيرة ربما تؤثر على مستقبل الحياة السياسية في البلاد بشكل كامل، وقد تفرز تحالفات جديدة أو تيارات جديدة وربما تخرج مكونات عن دائرة الفعل السياسي.
} آخر ظهور
«الترابي» ظل صامتاً منذ أكتوبر الماضي، وكان آخر ما أدلى به لوسائل الإعلام عالمياً ما خص به (راديو سوا الأمريكي)، ومحلياً كان آخر نشاط صحفي له في الرابع من يوليو الماضي حيث عقد مؤتمراً صحفياً لتوضيح موقفه وموقف حزبه مما يدور في مصر من أحداث، وخلافاً لذلك لم ينطق الرجل بنفسه شيئاً وناب عنه في الحديث قيادات من حزبه. ويستمر صمت الرجل في وقت تتكاثر فيه الأحاديث والقراءات وربط الأحداث ببعضها البعض، فخلال الأشهر الماضية التقى الرئيس «البشير» بالدكتور «الترابي» عدة مرات في مناسبات اجتماعية مختلفة كان آخرها في رحيل القيادي الإسلامي «يس عمر الإمام»، وتبادل الرجلان الكلام بعد سنوات طوال لم تجمع بينهما، ولعل تلك اللقاءات هي التي دفعت البعض للربط بين التغييرات الحكومية الأخيرة وخروج النائب الأول «علي عثمان محمد طه» والآخرين. واعتبر البعض أن بالتقارب أو الهندسة الخفية لتلك العملية تم بواسطة «الترابي»، لتكون عربوناً لتقاربٍ بين المؤتمرين الوطني والشعبي.
} محاسبة «عصام»
مصادر مقربة جداً من أسرة «الترابي» تحدثت لـ(المجهر) من داخل منزله، وأكدت أن القطاع السياسي للمؤتمر الشعبي ممثلاً في شخص الأمين السياسي للحزب «كمال عمر» تحدث مع أفراد أسرة الشيخ بلطف حسبما أبلغني المصدر وأبلغهم بأن الحزب وضع قنوات محددة للتعامل مع الصحافة والإعلام ممثلة في أجهزة الحزب وطاقم مكتب «الترابي». وقالت المصادر إن تجارب أسرة (شيخ حسن) مع بعض الصحفيين جعلتهم يتخوفون من التوسط لهم لمقابلته حتى في الإطار الاجتماعي، وزادت بالقول: (الصحفيين يقولوا عايزين يسلموا على الشيخ ويقلبوها كلام.. والشيخ بطبيعته لا يحب إحراج أحد).
تلك الخطوة للناظر لها تأتي في سياق تمتين الجدار بين «الترابي» والصحافة، ويؤكد «عصام» نجل الدكتور «حسن الترابي» لـ(المجهر) إن أجهزة المؤتمر الشعبي منعت أفراد الأسرة من التدخل في القضايا التي تربطه بالصحافة والإعلام، وأنها حددت قنوات معينة لذلك، وقال «عصام» إنه تعرض لمحاسبة وتوبيخ شديد ولوم وعتاب من الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي «كمال عمر» بسبب تسهيله وصول الصحفيين إلى شيخ «حسن» في المنزل، وأضاف «عصام» بالقول: (بعد توبيخ أخونا كمال لي اقتنعت بكلامه وامتنعت أنا وبقية أفراد الأسرة عن التدخل بين شيخ حسن والصحفيين).
الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي «كمال عمر» اكتفى بالضحك عند سؤاله عن إبلاغه لأفراد أسرة الدكتور «حسن الترابي» بقرار حزبه القاضي بمنع تدخلهم بينه وبين الصحفيين، لكنه قال لـ(المجهر) إن امتناع أو منع الحزب لأمينه العام الدكتور «حسن الترابي» عن الحديث للصحف وعدم ظهوره في الفترة الأخيرة يعود لعدة أسباب، من بينها أن المؤتمر الشعبي يريد أن يخرج بـ»الترابي» من عباءة الطائفية الضاربة، ويقول «عمر» إنهم يريدون من ذلك التأسيس الإشارة إلى أن المؤسسية لدى شيخ «حسن» في منزله وفي دار حزبه، وأنه شخصياً ملتزم بقرارات مؤسسات المؤتمر الشعبي دون أن يتدخل ابنه أو ابنته، وأضاف «عمر» بالقول: (هو علمنا ذلك ويرفض تغول أسرته على التنظيم ومنع ذلك، وأسرته أصلاً لا تتدخل في قضايا الحزب ويلتزمون بقراراته). ويقول «عمر» إن التجارب في الأحزاب الأخرى التي تعلي من شأن ابن شيخ فلان أو ابن الإمام فلان أصبحت متعددة، وإن دكتور «حسن» يريد الخروج منها. وأكد «عمر» أن تلك التفاصيل تعود إلى التنسيق والتكامل بين المؤتمر الشعبي وأسرة دكتور «الترابي» وسكرتاريته في مكتبه دون أن يفرض أحد على الآخر شيئاً.
} أسباب الغياب
يقول «عصام» نجل الدكتور «حسن الترابي» إن الأسباب التي دفعت بالمؤتمر الشعبي لاتخاذ قرار بمنع والده من التعامل مع أجهزة الإعلام والصحافة المحلية، تعود إلى مقالات من بعض الصحفيين الذين ادعوا أنهم التقوا بشيخ «حسن» وأجروا معه تلك المقابلات– حسب «عصام»- وأوضح أن طابع تلك المقابلات التي نشرت إما أنها أخذت من مكان عام أو من مناسبة اجتماعية كان شيخ حسن (يتونس فيها) مع عامة الناس، ونُقل حديثه وتم نشره في الصحف على أنه مقابلة. ويقول إن بعض الصحفيين اخترق قرار الحزب وأظهر شيخ «حسن» في غير شكله الحقيقي بسبب التدخلات التي تحدث في الصحافة المحلية في يقوله شيخ «حسن»– حسب «عصام»- ويؤكد «عصام» أن أسرة الترابي تحترم الصحافة والصحفيين وتستقبلهم في منزله في الإطار الاجتماعي، وأضاف بالقول: (نحن نعرف أن هناك أجهزة تنصت وأجهزة تزييف للمعلومات، لذلك من الأفضل إبعاد شيخ «حسن» عن أجهزة الجاسوسية).
ويقول الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي «كمال عمر» إن الأسباب التي دفعت إلى إبعاد «الترابي» عن الصحافة والإعلام المحلي يأتي على رأسها رغبته الشخصية، أي «الترابي»، في أن يعطي المؤسسات حقها، وقال «عمر» إنهم قلقون من تناول المواقع الإلكترونية والانترنت للمؤتمر الشعبي وتوصيفه بمسمى (حزب الترابي)، وقال «عمر» إنهم لا يريدون أن يقال (حزب الترابي) وإنما المؤتمر الشعبي، وأن يرتبط الحديث بالفكرة وليس الأسماء أو الأشخاص، وأضاف: (ابتعاد شيخ «حسن» في الأشهر الماضية كان اختباراً حقيقياً لمؤسسات الحزب وقياداته الشابة)، وقال «عمر» إن تلك القضايا ترتبط في السودان بالأشخاص والشيوخ والأئمة، لذلك عندما يصمت الشيخ أو الإمام يكون هناك انتظار من الناس لحديثه، واستدرك «عمر» بالقول: (نحن في المؤتمر الشعبي كل القرارات والمواقف التي اتخذناها في الفترة الماضية كان شيخ «حسن» جزءاً أصيلاً فيها، لكنها تخرج باسم الأمانة السياسية.. وهذه هي مؤسسة المؤتمر الشعبي).
ويؤكد «عمر» أن «الترابي» أيضاً ابتعد عن الإعلام المحلي بسبب غياب المصداقية والتدخل، وأضاف: (مع احترامنا للعاملين فيه، لكن أصبحنا نتوجس من أن لا يظهر كلامنا بشكله المطلوب)، ويقول إن التدخلات هي التي منعت شيخ «حسن» من الإدلاء بتصريحات للإعلام الداخلي.
} «طه» يصحح
أصحاب النظرة التي تقول إن التغييرات الأخيرة تمت هندستها في المنشية وأرسلت في وريقة صغيرة للقصر الجمهوري، يستدلون بما ذكره مساعد رئيس الجمهورية، نائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب البروفيسور «إبراهيم غندور» ومدحه لـ»الترابي» وحزبه (المؤتمر الشعبي) خلال حديثه في برنامج (مؤتمر إذاعي) الجمعة الماضية، حيث قال «غندور» إن «الترابي» شخص مفكر، وإن حزبه يضم كفاءات وقيادات لديها عطاء كبير، وفسرت عبارات «غندور» تلك على أنها نوع من الغزل السياسي، وأنها خطوة إلى الأمام في طريق المصالحة والتوافق السياسي بين الإسلاميين على الضفتين، لكن الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي «كمال عمر» قال إن التغييرات التي أجراها المؤتمر الوطني لا علاقة للدكتور «حسن الترابي» بها، وقال إن بعض الدوائر داخل السلطة هي التي تسعى للربط بين ما تم من تغيير وبين اللقاءات الاجتماعية التي جمعت الرئيس «البشير» بالدكتور «الترابي»، وأضاف: (الشكل العام لتلك اللقاءات الاجتماعية يمكن أن يوحي بأن ورقة صغيرة قدمت لتلك التغييرات أو أن «الونسة جابت الونسة»، ولكن ذلك في الحقيقة لم يتم ولم يتحدث «البشير» وشيخ «حسن» في تلك القضايا). وقال عمر إن من يتحدث عن تدخل شيخ «حسن» في التعديل الوزاري الجديد يسعى إلى إضعاف الرئيس «البشير» الذي اتخذ تلك الإجراءات، وأضاف: (وتلك التغييرات لا يد لنا فيها رغم أنها أعطت الناس انطباعاً إيجابياً بمن فيهم نحن في المؤتمر الشعبي).
وتأتي قراءات الناس للتشكيل الحكومي على أنه تقارب بين المؤتمرين الوطني والشعبي، لكن التصريحات التي أدلى بها النائب الأول لرئيس الجمهورية السابق «علي عثمان محمد طه» في برنامج (في الواجهة) التلفزيوني أكد من خلالها أن خروجه جاء برغبته الشخصية وبرضاه، ما يعني أن طه أراد استبعاد تلك القراءات، والتأكيد أن ما تم من تغيير جاء من داخل مؤسسات المؤتمر الوطني ولم يكن من جهة خارجية، وفي كل الأحوال ومهما اختلفت القراءات يظل السؤال الأبرز قائماً.. ماذا وراء صمت «الترابي»؟؟