رأي

هل فقدت الاشتراكية سحرها؟!

أثار ما كتبناه تحت عنوان (الاشتراكية هل فقدت سحرها)، الكثير من الملاحظات والتعليقات تستحق الوقوف عندها والتعقيب. قال البعض إنني اختزلت النظرية في أنها فقط تعيد توزيع الثروة وتنصف الطبقة العاملة، وأنا لم أقل أن النظرية كلها محصورة في ذلك، وإلا ما كانت كل حركات التحرير تسير على طريقها. من يراجع تطبيقات الاشتراكية يلاحظ أنها اتخذت أشكالاً متعددة استوعبت الأشواق المحلية في التحرير والعدالة. فالنظرية في أصلها لم تكن تضع في اعتبارها الفلاحين إلا باعتبارهم جزءاً من الطبقة العاملة، ولكن “ماتسي تونغ” الزعيم الصيني جعل الفلاح جزءاً أصيلاً من النظرية، وكان أول من طبق برامج الإصلاح الزراعي.
ونلاحظ أن كل حركات التحرر في أفريقيا وآسيا ربطت التحرر من الاستعمار بالتحرر من النظام الرأسمالي، لأن الاستعمار ارتبط بإعطاء الطبقة البرجوازية مزارع أو مستعمرات زراعية علاقات الإنتاج فيها تسير بالطريقة التي كان يسير بها النظام الإقطاعي في أوروبا رغم محاولات تجميله.
جاء الاستعمار الأوروبي لأخذ خبرات المستعمرات في أفريقيا مقابل أقل كلفة ممكنة.. وكان الأفارقة يعملون في مزارع السادة لساعات طويلة بأجور زهيدة، ومحرم عليهم الاجتماع أو تكوين النقابات، وظل هذا الوضع قائماً حتى أوائل الستينيات، وتراجع هذا المفهوم بعد أن أخذت الحركات التحررية في توعية الناس بعد أن سمح الاستعمار بتكوين النقابات والاتحادات التي حرص في البداية أن تكون تحت رعايته يديرها بقوانينه.
بعد ظهور “جمال عبد الناصر” وتطبيقه الإصلاح الزراعي في مصر، أصبح هناك أنموذج آخر يمكن أن يحتذى به، فظهرت الناصرية، وادعت عدة حركات في أمريكا الجنوبية أنها ناصرية، وطالبت بإصلاحات في علاقات الإنتاج بنفس الطريقة الناصرية.. ولكن أهم تطور في النظرية كان ارتباطها بالتحرر في الاستعمار على أساس أن الاستعمار يكرس لنظام رأسمالي تغيب عنه العدالة، ويلاحظ أن كل الحركات التحررية التي ظهرت في أفريقيا عقب الحرب العالمية الثانية كان يقودها زعماء اشتراكيون، رغم أن بعضهم درس في (أوروبا)، وقلّ أن تجد زعيماً لحركة تحررية لا ينادي بالاشتراكية كوسيلة وحيدة للتحرر من الاستعمار، وقد فطنت القوى الاستعمارية لذلك وعملت على إجراء إصلاحات عديدة في قوانينها، وأصبح العامل يتمتع بحق الإجازة بمرتب والمؤسسة التي يعمل بها ملزمة بعلاجه إذا مرض، بل المؤسسة أصبحت ملزمة بتعليم أولاده.
وكما ذكرنا في عمودنا أن الحكومات الرأسمالية أخذت تطبق بعض الأفكار الاشتراكية، ربما رأت أنها بذلك تتجنب ثورة تطيح بها، ودون أن يطالب العمال طبقت الإصلاحات التي توقعت أن يطالب بها العمال والفلاحون، بل أعطتهم حوافز لم يحلموا بها فأصبح للعامل منزلاً حديثاً به كل وسائل الحياة العصرية، وأصبحت النقابات تساعد في توفير المساكن وامتلاك السيارات للعمال، ولهذا نجد الآن عاملاً بسيطاً يملك سيارة يتحرك بها إلى موقع العمل، ومع هذا الوضع لم يعد هناك مجال للشكوى من غياب العدالة، بل هم في الواقع حصلوا على ما لم يحلموا به، فأصبح العامل في نفس المستوى مع كبار الموظفين في الدولة، وأضحى شيئاً عادياً الآن أن تجد عاملاً يقيم في فيلا بها حوض سباحة وحديقة.
لهذا فقدت الاشتراكية الكثير من أوراقها، وكما قلنا جاء التغيير من جانب أصحاب الأعمال لتجنب الثورة، ولهذا إذا طفت كل أنحاء أوروبا وأمريكا لن تجد من يتحمس للاشتراكية بمعناها القديم، وأضحت الاشتراكية لديهم قوانين عمل تعترف بحقوق العمال، واختفى ذلك الرأسمالي الذي يمص دم الغلابى ليزيد رصيده في البنوك، بل أن العامل نفسه أصبحت لديه فرصة لكي يصبح صاحب عمل وليس مجرد أجير.
{ سؤال غير خبيث
هل تتوقع ازدهار الحزب (الشيوعي) مرة أخرى؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية