النائب الأول يرأس جلسته لأربع ساعات : ملتقى (الاستثمار) بالولايات .. الحاضر الغائب
على مدى أربع ساعات متواصلة أدار النائب الأول لرئيس الجمهورية “علي عثمان محمد طه” أمس جلسات ملتقى الولايات الأول للاستثمار بحضور ولاة الولايات والجهات المختصة بالشأن الاقتصادي. الفترة الزمنية المقررة للملتقى حسب جدول الأعمال ست ساعات لكن بحصافة النائب الأول ومقدرته على إدارة الوقت اختصرها في أربع كانت كافية لمناقشة كل المحاور، وشهدت مداخلات أكبر عدد من المشاركين، وسيطرت مشاكل تخصيص الأرض، وعدم التنسيق بين المركز والولايات، وصعوبة تبادل المعلومات، وضعف الكوادر العاملة، وعدم التخطيط السليم، سيطرت على مناقشات الملتقى. وأكد دكتور “مصطفى عثمان إسماعيل” وزير الجهاز القومي للاستثمار أن هذه القضايا تمثل أهم التحديات التي تعوق الاستثمار في الولايات وأنه كان من المقرر تداول أربع ورقات، إلا أن النائب الأول لرئيس الجمهورية أرجأ مناقشة ورقة “المناطق والأسواق الحرة” إلى مناقشتها اجتماع المجلس الأعلى للاستثمار الذي سينعقد اليوم بحضور رئيس الجمهورية المشير “البشير”
النائب الأول لرئيس الجمهورية نوه إلى أن فلسفة الدولة في الاستثمار لا تقوم فقط على اقتسام ريع الاستثمار بين المركز والولايات، بعيداً عن التنمية وباب الخدمات الاجتماعية، لافتاً إلى أن جميع مشاريع الاستثمار تخضع إلى معيار العائد المجتمعي من تلك المشاريع، وزاد قائلاً: (باب المسؤولية الاجتماعية يشكل جزءاً أصيلاً من ملامح سياساتنا في مجال الاستثمار).
ووجه “طه” ولاة الولايات ببذل المزيد من الجهود في مجال تحسين البنية التحتية وتهيئة مناخ الاستثمار للاستفادة من ميزات الاستثمار المحلي والأجنبي وحسم قضية ملاك الأراضي، موضحاً أن الاستثمار يمثل العمود الفقري للاقتصاد السوداني.
وأكد على أهمية توزيع فرص الاستثمار بعدالة وتوازن في مختلف ولايات السودان، بما يحقق العدالة في توزيع موارد البلاد.
عقب الجلسة الافتتاحية التي انتهت بخطاب النائب الأول طلب بعدها وقف البث المباشر للقنوات الفضائية والإذاعات، وفقا لما جاء في جدول الأعمال “خروج الإعلام واستمرار الجلسة فقط للأعضاء”، لكن “طه” أشار إلى بقاء الصحفيين داخل القاعة.
د.”مصطفى عثمان إسماعيل” وزير المجلس القومي للاستثمار أعلن عن تزايد نمو الاستثمارات خلال العام الحالي والتي بلغت (226) مشروعاً تم التصديق عليها حتى نوفمبر الجاري في القطاعات المختلفة في جميع الولايات، بعد أن تراجعت في العامين السابقين (2011-2012) بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي صاحب عملية انفصال دولة جنوب السودان، وأدي لاختلال التوازن في معدل النمو وارتفاع سعر العملة والتضخم، وعدم استقرار سعر الصرف.
وأشار للجهود التي بذلتها الدولة في السابق والمتعلقة بإجراءات تحسين البيئة الاستثمارية، وتحرير الاقتصاد، وسن التشريعات، وتأسيس المرافق لتشييد البنية التحتية للخدمات العامة التي تساعد على جذب الاستثمارات؛ الشيء الذي أدى بصورة كبيرة لجذب عدد من الاستثمارات للبلاد في الفترة من (2000ـ2010) التي حققت حوالي (25ــ28) مليار دولار شملت القطاعات كافة، وكان النصيب الأكبر للبترول الذي حقق (74%) والتعدين (27%) والخدمي (66%) والصناعي (8 %) والزراعي (5%)، مشيراً إلى أن ولاية الخرطوم نالت المرتبة الأولى في جذب الاستثمارات بنسبة (67 %) بسبب التوفير النسبي للبنيات التحتية للاستثمار، وتليها ولاية نهر النيل لوجود مقومات صناعة الأسمنت، ثم ولاية الجزيرة، والنيل الأبيض. وأوضح أن الولايات التي لم تحظ بالاستثمار في تلك الفترة هي ولايتا جنوب كردفان وغرب دارفور؛ بسبب التوترات وعدم الاستقرار السياسي. كاشفاً عن مؤشرات تزايد الاستثمار هذا العام خاصة في القطاع الزراعي بحوالي (14 ) مشروعاً مما يدل على أن الاستثمارات بدأت تتجه نحو مشاريع الأمن الغذائي في مجالات الأعلاف وقصب السكر.
لكن شكاوى وتحديات كبيرة دفع بها الولاة أمام النائب الأول عقب ما ذكره “مصطفى عثمان” أبرزها مشكلات استخدام الأراضي، وتضارب وتداخل الاختصاصات، وابتدر النقاش والتداول والي شرق دارفور المستقيل “عبد الحميد موسى كاشا”، مؤكداً على أهمية التنسيق بين المركز والولايات. وأشار “كاشا” إلى غياب تام للسفارات في التنسيق لتوفير المعلومات عن المستثمرين والشركات قبل وصولها ومنحها تأشيرات الدخول، وكذلك للحد من سماسرة الاستثمار. ونبه “كاشا” إلى وجود صورة سيئة جداً لبعض السودانيين العاملين بالخارج حيث تحولوا إلى سماسرة ووسطاء بين المستثمرين.
والي النيل الأزرق احتج على منح التصاديق الاستثمارية لبعض الشركات التي وصفها بأنها ليس لديها مقدرة مالية وتمول عبر البنوك من الأموال المخصصة للزراعة، وقال: (الشركات غير المقتدرة ينبغي أن لا تأتي وتزاحم الشركات المحلية)، أما والي سنار “أحمد عباس” قال:(سيدي رئيس الجلسة أنا أريد أن أتحدث عن الأراضي القومية) وأشار إلى خطاب وصل إلى ولايته من وزارة الموارد المائية والكهرباء والسدود بعدم التصرف في الأراضي بين كنانة وسنار، مشيراً إلى أن المنطقة يجب أن لا تسجل باسم السدود، ونوه بأنهم في الولاية يلاحظون أن المسألة حول الأرض مضطربة، وقال: (من الأفضل أن يكون هنالك تنسيق وتتحول المنطقة للاستثمار وليس السدود). وأضاف “أحمد عباس” (يأتي إلينا الكثيرون من المستثمرين لكنهم يذهبون ولا يعودون بسبب ارتفاع أسعار الكهرباء). وطالب والي سنار بالسماح للمستثمرين باسيراد مواد الكهرباء من غير جمارك، أما والي النيل الأبيض “يوسف الشنبلي” أكد عدم وجود مشاكل حول تخصيص الأراضي الزراعية بولايته خاصة المستغلة في قطاع الخدمات، وقال إن هناك شراكة بين المواطن والولاية حول المشاريع الاستثمارية، حيث منحت المواطن (40%) في الملك الحر، و(30%) في الحيازات، و(20%) بالنسبة لـ “وضع اليد”.
والي كسلا “محمد آدم يوسف” كشف أن ولايته بها أكثر من (150) ألف فدان خالية من الموانع جاهزة للاستثمار، وقال: (نحن محتاجون لجهد كبير في التدريب لإدارة العمل بصورة أفضل).
الجلسة لم تخلُ من القفشات التي يطلقها بعد كل حين وآخر النائب الأول، كان أبرزها عندما طلب والي جنوب دارفور “آدم جار النبي” فرصة للحديث، فعلق “طه” قائلاً: (كدا نسمع للناس المستضعفين المساكين ديل) ونبه “جار النبي” إلى مسألة الاستثمارات المستقبلية المشتركة والمجاورة لدولة الجنوب وتحول بعض الولايات إلى ولاية حدودية .
رئيس اتحاد أصحاب العمل “سعود مأمون البرير” اقترح تحديد حد أقصى في منح الأراضي، إذ لا تتجاوز مساحة (25) ألف فدان، مشيراً إلى أنها تصل التصاديق في بعض الولايات إلى (250) ألف فدان، كما اقترح تكوين لجنة للنظر في المشروعات الزراعية والصناعية المتوقفة.
والي الجزيرة بورفيسور “الزبير بشير طه” لفت إلى مسألة العقودات الاستثمارية، وقال إنها تؤدي أحيانا إلى إشكاليات وتستدعي التحكيم الدولي وأوصى بأن تكون إدارات العقودات من أقوى أقسام الجهاز القومي للاستثمار, وطالب “الزبير طه” بأن تكون هنالك معلومات استخباراتية عن المستثمرين ويقوم بها الجهاز القومي للاستثمار.
صورة قاتمة رسمها والي الولاية الشمالية “إبراهيم الخضر” حيث ذكر أن لديهم إجراءات اكتملت مع مستثمرين من عدة دول في سبعة مشروعات لكنها تواجه مشكلة إمدادها بالكهرباء.
ولأول مرة بدأت أمس الأول بولاية شمال دارفور استثمارات قطرية في التنقيب عن النفط، حسب ما أعلنه والي شمال دارفور “محمد يوسف كبر” الذي شدد في مداخلته على ضرورة التنسيق والتشاركية بين المركز والولايات.
مشكلة توصيل الكهرباء للمشروعات الاستثمارية كانت الهم المشترك لمعظم المتحدثين، حيث أوضح وزير المالية بولاية نهر النيل أنهم يستعدون لافتتاح (14) مشروعاً جديداً في بداية العام المقبل، لكنها تواجه بارتفاع أسعار الكهرباء ومشكلة تصاديق المياه للمشروعات الزراعية، وطالب وزير مالية نهر النيل الولايات بحصة من المياه، الأمر الذي استدعى النائب الأول أن يرد عليه قائلاً: (نحن لسنا دولة كونفدرالية أو كالاتحاد الأوروبي، نحن في سودان موحد، ولا يتم التصرف في الموارد الأساسية إلا عبر الدستور).
أقوى المتحدثين كان وزير النفط د.”عوض أحمد الجاز”، حيث دعا إلى ثقافة حول أهمية الاستثمار في الأرض وتوزيع الأدوار، مشيراً إلى أنه الآن كل جهة بسلطتها، وقال: (الولاة أصبحوا يعانون من الأهالي وتفلتاتهم حول الأراضي).
ومن بين التوصيات في المؤتمر إنشاء صندوق قومي لاستخلاص الأراضي للمشروعات القومية يعني بدفع التعويضات للأهالي، وهذا ما اعترض عليه محافظ بنك السودان المركزي “محمد خير الزبير” معلقاً: (من وين نجد له القروش؟).
ظاهرة السماسرة والوسطاء في قطاع الاستثمار يبدو أنها تحولت إلى مصدر قلق للدولة، حيث أشار وزير المالية والاقتصاد الوطني “علي محمود عبد الرسول” إلى أنهم في الوزارة تصلهم أربع جهات عن مشروع واحد. وشدد الوزير على ضرورة استفسار بنك السودان عن أي مستثمر وقدرته لمعرفة مدى الجدية، لأن هنالك أعداداً ضخمة من المستثمرين؛ “حتى لا يضيع الزمن في الونسة”- حسب تعبيره. ودعا إلى تقليل البيروقراطية التي تواجه المستثمرين في مطار الخرطوم، مشيراً إلى تعرضهم إلى تفتيش الشنط و(اللابتوبات).
عدم تسوية النزاعات مع أهالي حيازات الأراضي تعوق العملية الاستثمارية بالولاية، هكذا كان حديث والي الخرطوم د. “عبد الرحمن الخضر”، وتحدث الوالي حول برامج الولاية لعام 2016 والهادفة للتصديق بحوالي (3.200) بيت محمي لزيادة المساحات المزروعة بالطماطم في فصل الصيف.
وقال إن المساحات الزراعية المستغلة بالخرطوم تبلغ مليون و(600) ألف فدان من جملة (3) ملايين و(400) ألف فدان صالحة للزراعة.
وفى تعقيبه على المشاركين أوصى “علي عثمان محمد طه” بالمرونة في قانون الاستثمار بمنح بعض الولايات خصوصية نسبة لالتزاماتها باتفاقيات سلام موقعة من قبل.
وأمن على ضرورة وضع التوصيات التي يخرج بها الملتقى في مصفوفة وإحالتها للولايات، مشيراً إلى ضرورة التنسيق بين جهاز الاستثمار والولايات.
وطالب بإحالة إنشاء صندوق قومي لاستخلاص الأراضي للمشروعات القومية ومؤسسة الضمان الاستثماري للقطاع الاقتصادي بمجلس الوزراء لمناقشتها، داعياً إلى أهمية الاستفادة من تجربة ولاية الخرطوم بإنشاء مركز حاسوب موحد لكل الولايات للتنسيق بين المركز والولايات.