أخبار

كي يتوقف هذا الصداع!

بإمكانك ابتلاع التلفاز الذي أمامك حتى لا يعاودك ضجيجه الإخباري المؤلم والمزعج.. وبوسعك أيضاً أن تغمض عينيك فلا ترى شيئاً حتى وجهك في المرآة.. أما الحكماء فينصحون دائماً بعدم التفكير في الأشياء التي يمكن أن تسبب لك الصداع.. وأجرأ هؤلاء الحكماء من قال يوماً إنه بإمكانك إغلاق عقلك، وأن تضع عليه لافتة “تحت التحسينات” إلى حين أن يفارقك الصداع المزمن.
أسباب الصداع عند العلماء كثيرة ومتشعبة، وهم يفرقون بين الصداع الكلي والنصفي والجزئي، ويكتبون لكل صداع “روشتة”، خاصة وإن كان بعضهم يرى أن الصداع ليس مرضاً قائماً بذاته، وإنما هو مضاعفات لأمراض أخرى تنتهي بألم في جزء ما من الرأس.
وإذا كان الجميع يتفق على أن أكثر الأمراض انتشاراً في هذا العصر هي القلق والتوتر، فالمؤكد أن للصداع نصيباً كبيراً من الأعراض الجانبية لهذه الأمراض والتي تنحصر أسبابها في حجم التشوه الكبير الذي لحق بلوحة الحياة، مما جعلها تبدو في كثير من الأحايين محتفية بالقبح الناتج عن طغيان المادة، وتفشي الضوضاء، وانتشار المخاوف واشتعال الحروب والمشاكل.. بالإضافة إلى سبب آخر مهم جداً يتعلق بحالة “الحياد” الغريبة التي أنتجتها آلة “العولمة” الضخمة، وما تضخه من مفاهيم جديدة لم يألفها الإنسان بعد، ولم يتكيف مع مناخاتها التي لا تعترف إلا بلغة الأرقام، ولا تثمن إلا الانتصارات حتى ولو كانت مبنية على أسس “ميكافيلية” بحتة، مما جعل العواطف تتآكل والمشاعر تتبلد، وأصبح “الحب” تلك النعمة الكبيرة “نقمة” أكبر في حياة من يؤمنون بالانتصارات في كل جولات الحياة، بما فيها جولة الحب التي تستلزم أحياناً التنازل إلى حد الهزيمة والفشل.
صداع مزمن يتفشى في العالم وتزداد حدته هذه الأيام في ظل توارد الأخبار المؤسفة والمزعجة عن كثرة الزلازل والانفجارات وتفشي الأمراض الغريبة على شاكلة جنون البقر وأنفلونزا الطيور والحمى النزفية وبسبب ضغوط القطب الأوحد الأمريكي على دول العالم الثالث الضعيفة، ووصايته “غير المشروعة” على الشعوب والأمم من خلال لعبة “العصا والجزرة” وبما ينذر بمزيد من الصداع ومزيد من القلق ومزيد من التوتر خاصة بين الذين لم يتهيأوا بعد للدخول في منظومة العولمة الجديدة، ولم يستوفوا شروطها الصعبة والقاسية والتي لا تفسح مجالاً لحياة فطرية بسيطة بقدر ما تفتح فضاءاتها للانتصارات الضخمة، حتى ولو كانت هذه الانتصارات وهماً كبيراً تستلهم حكاياته من أسطورة “دينكيشوت” وتمهد الطريق لهيمنة الآلة على الإنسان إلى حد الخضوع والرهبة!
كي يتوقف هذا الصداع لابد من اختراع “جرعات كافية” من المهدئات والمنومات التي تجعل الإنسان يفرط في نوم عميق وطويل إلى حين أن يعلن العالم توبته من تصدير التوتر والقلق والانتصارات الكاذبة!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية