السلطة الإقليمية ..للجميع
بمنهج قضاء الحوائج بالكتمان يبدو أن القوات المسلحة (تمسح) جيوب الجبهة الثورية ومتمردي دارفور، باكتساح واسع النطاق سيعيد الأمور إلى وضعها المفترض به، ويبدو كذلك أن هذه الطريقة (البيان بالعمل) وإبعاد الجيش وعمله عن ثرثرات الساسة وتصريحاتهم، قد أتى بثمار ممتازة على الأرض هناك في جنوب كردفان ودارفور. وأتمنى ألا تذهب نشوة الانتصار بالعقل الرشيد في ضرورة إعادة النظر في التعاطي الحكومي مع كلمة (تمرد)، إذ من اللازم أن تجلس الحكومة ومخاطبة المتأثرين في ولايات الحرب والتواصل معهم بعيداً عن (سماسرة) الأزمة، الذين صار لهم في كل جنب وزاوية مقام ومتكأ وتدبير.
ما أضر بمعالجات قضية دارفور إصرار الحكومة على القفز مباشرة لأي كتلة تحمل السلاح، وأي تنظيم ولو كان مكوناً من خمسة عشر رجلاً و(سادسهم) اسمهم، فتشتت جهودها في إدخال المجموعات إلى حياض السلام والمهادنة بالتقسيط والأقساط التي لم تفعل شيئاً، سوى تفريخ جماعات أخرى منشقة عن ذات الواصلة لميس الهدنة، أملاً في الحصول على المغانم والفوائد، ووضح كثيراً أن القوى الدارفورية الناشطة في الأزمة غير جادة، وتمتطي القضية لأهداف حزبية وطموحات شخصية وثأرات، فيما يظل البعض الآخر من القوى تلك عاجزاً عن أي أداء مقنع، لأنها ببساطة (تكوين اسفيري) في أغلبها وتجمعات لأقارب وأرحام !
أول مداخل التفعيل في تقديري بإيجاد دور حقيقي للسلطة الإقليمية، وبشراكة واضحة مع الجميع دون محددات سياسية أو جهوية، حتى لا (تتقبلن) السلطة لتتحول مؤسساتها للجميع وليس لأهل الحركات المسلحة فقط. ومع تقديرنا واحترامنا لجهد أولئك الرجال من شركاء اتفاقية السلام، إلا أن التمثيل الكامل والوافي للكل بما في ذلك الأحزاب المعارضة بالداخل، من شأنه أن يحدث حراكاً فاعلاً ويخرج أنشطة مقبولة ومفيدة، خاصة إن قلنا إن الفترة الماضية من عمل السلطة الإقليمية، لم يخلُ من مظاهر الضعف والإكثار من الجعجعة و(التلويح) بلا طحين !
الغالبية العظمى والمؤثرة من أهل دارفور وبقية أبنائهم بولايات السودان المختلفة وخارج البلاد، أغلبية تنحاز كلها لخيار السلام وأخذ الأمور بالحسنى، ولم يكونوا قط طرفاً في الحريق المشتعل، والذي هو صناعة مخربين استغلوا وجود فراغات في البناء السياسي للإقليم البعيد، وضخموا أنفسهم بزهد أبناء دارفور الحقيقيين في كثرة الحديث والرد، فانتهت الأمور إلى ما انتهت إليه، بوجود قضية يتبناها غير أهلها حتى صارت مثل الفرس النافر في الخلاء، كل من يجد يضعه عليه ما تيسر من (بديد)، وأحياناً يركبه البعض (عرى)، والتعبيران من بادية دارفور لمن أراد البحث والتقصي والفهم .
واللهم قد بلغنا فاشهد