رأي

الجبهة الثورية بجبال النوبة .. سوء الـخاتمة!!

} قيل – والعهد علي الراوي – إن رجلاً سلك مفازة فيها سباع كاسرة وحاول اتقاءها فعرج على طريق آخر، عسى ولعل أن يكون أكثر أماناً، فإذا به وجهاً لوجه أمام ذئب جائع، هجم عليه، فجرى الرجل محاولاً إنقاذ نفسه من براثن الذئب، وإذا به يجد نفسه أمام أحد الأودية يقف حائلاً أمامه، ولم يكن له بد فرمى نفسه في الماء، ولكن الرجل كاد يغرق، فأنقذه بعض أهل القرية التي تقع علي الضفة الأخرى.. وبعد أن إستراح من مشقة الجري وهول الغرق، دخل القرية لعله يجد من يؤويه ويطعمه، فرأى كوخا في طرف القرية فدخلة فإذا بداخلة مجموعة من اللصوص وقد قبضوا على تاجر وسلبوه ماله ويعملون فيه طعناً لقتله، فخاف الرجل وهرب، ولكن اللصوص خافوا افتضاح أمرهم فلاحقوه حتى لا يتركوه وشأنه، واستطاع التخلص منهم بالتواري خلف أشجار كثيفة..
رجع اللصوص من حيث أتوا.. وأخذ الرجل يندب حظه، واتكأ علي حائط حتى يأخذ بعض الراحة ويستعيد أنفاسه.. فإذا بالحائط ينهار عليه ويتسبب في وفاته!!
} إن الحريص لا ينجو من الموت ومهما حاول أن يتفادى قدره المكتوب، هكذا حال الجبهة الثورية التي دخلت جبال النوبة فجعلت أعزة أهلها أذلة، وهي التي ضاقت بها أرض دارفور، فلم يجد قادتها مفرا سوى جبال النوبة لكى تؤويهم وتكون ملاذهم الأمن، لكي يطبقوا ما اختبروه من القتل وسفك الدماء والسلب والنهب وصور أخرى من البشاعة لم يألفها إنسان جبال النوبة المتسامح وكريم الأخلاق!!
} دخلت الجبهة الجبال وتعقدت وتشابكت الأوضاع الاجتماعية والسياسة والاقتصادية، واختلط الحابل بالنابل من حيث الأسباب التي أدت لاندلاع الحرب التي كانت محصورة في المطالب التنموية والخدمية والمشاركة السياسة ومشكلات الأراضي، ولكن الثالوث (عقار وعرمان والحلو) أضافوا إليها أجندات لا علاقة لأهل الجبال بها، بما فيها أجندات الدول المعادية، وأخيرا الأجندات الشخصية المتمثلة في جمع المال من البسطاء.
} مكر الثالوث لم يضر جبال النوبة فقط وإنما ارتد الضرر على الجبهة (المتثورة) التي لا يشبه سلوكها أدبيات وشعارات الثورة والثوار، وما اغترفوه أقرب لسلوك قطاع الطرق ولا علاقة له بقضايا الهامش والغبن والظلم كما يدعون.. وإن المكر السيئ يحيق بأهله.
} ها هو إنسان جبال النوبة وحتى بعض أهل الحركة الشعبية – في موقف نادر – استهجنوا هذا السلوك البربري، وقالوا رأيهم في وجود الجبهة بجبال النوبة، وما تصريحات اللواء خميس جلاب وقبله “قرفة” وسلسة مقالات “آدم جمال” بالفيس بوك، إلا دليل على ذلك. وحاولت الجبهة الرجوع من حيث أتت تحت ضغط الرفض الشعبي وإحجام الكثيرين من الالتفاف حولها بجانب الضغط العسكري من قبل القوات المسلحة، فكان أمرهم أشبه بقصة الرجل الذي بدأنا بها المقال، فسلكوا مفازة عسى أن تنجيهم من ويل وعذاب محتمل!! دخلوا “كرتالا” الوادعة الآمنة التي لم يمسسها سوء سوى سوئهم منذ أن بدأ القتال في جبال النوبة في منتصف الثمانينات، فماذا فعل هؤلاء المتثورون؟ ليتهم حدثوا الناس عن الظلم والتهميش أو وزعوا عليهم المن والسلوى، إنما نهبوا المتاجر والأسواق، وكعادتهم بحثوا عن بعض المستهدفين لإعمال القتل فيهم، وهذا سلوك يوضح مدى همجية هؤلاء البرابرة الجدد، وإلا كيف لنا أن نفسر ذهابهم إلى أربعة من المنازل بما فيهم بيت الأمير بحثاً عن القتل والتصفيات!!
العناية الإلهية وحدها جعلت هذه المنازل خاوية أو عميت بصائرهم إن كانت لهم بصيرة، فلم يجدوا في إحداها إلا شيخا تجاوز عمره السبعين عاماً، وهو والد الشاب القيادي عبد الله إبراهيم، فأطلقوا عليه الرصاص انتقاماً من ابنه، ولكن لطف الله أيضاً أنقذه، فأصاب الرصاص يده، ولم تكن الإصابة مصادفة.. إذ عندما دخل أحدهم المنزل بحثاً عن “عبد الله إبراهيم رجع” رجع وقال لمن ينتظره في الباب: (ما وجدته لقيت أبوه)، فقال له الذي كان ينتظر بالباب (أقتل أبوه)!! هذا هو سلوك (الجبهة المتثورة) التي لا تشبه قيم وإنسان جبال النوبة.. وبعد ساعتين غادرت فلول الجبهة “كرتالا” – المحفوفة بالعناية الإلهية من كيد الحاقدين – خوفاً من ضربات القوات المسلحة الموجعة، وسلكت طريقاً إلي “الضليمة”.. فماذا حل بها؟! فقد أوردت مهالك الردى وأصبحت تبحث عن الطرق والمفازات الناجية.. إنه سوء الخاتمة وسوء المصير.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية