رأي

المقاطعة الأمريكية..!!

} أمريكا أخذت تستخدم العقوبات الاقتصادية لتحقيق أهداف سياسية، أو هذا ما يظهر في طريقة تعاملها مع مصنع سكر النيل الأبيض، فقد رفعت الحكومة الأمريكية الحظر عن المصنع ومنحت شركة (جنرال إلكتريك) إذناً للوفاء بجميع التزاماتها تجاه المصنع خاصة البرمجيات الأصلية لمحرك السرعات المتغير لطواحين عصر القصب.. وليست هذه هي المرة الأولى التي تقاطع شركة أمريكية مصنعاً في السودان كعقوبة، ففي العام الأول للثورة حجبت شركة أمريكية قطع الغيار عن مصنع سكر حلفا الجديدة.. وأذكر أننا خلال رحلة إلى المصنع رأينا كيف قام العاملون في المصنع بتصنيع قطع غيار بديلة، ولكن تلك كانت قطعاً تمثل أجزاء في آلة ومن السهل إيجاد بديل لها وليس كما هو الحال هذه المرة، أجزاء من الكمبيوتر الذي لا يستطيع أحد غير صانعه إعداد بديل، لأنه يرتبط بنظام التشغيل الإلكتروني.
} والمعروف أن أمريكا رائدة تكنولوجيا مصانع القصب في العالم، بينما أوروبا تتخصص في تكنولوجيا سكر البنجر.. وهذا ما اضطر المصنع إلى انتظار قرار الإفراج، ولا أعرف ما إذا كان القرار قد جاء بعد ضغوط مارسها المصنع السوداني عبر المحاكم أم أنه جاء في إطار تغيير للنظرة الأمريكية تجاه السودان؟ وهو الأمر الذي اعتدناه من أمريكا في العام الأخير، ولكننا ما زلنا في انتظار رفع العقوبات نهائياً وعودة العلاقات إلى طبيعتها.. والمعروف أن أمريكا نصبت نفسها حامية للديمقراطية في العالم، ولا بد أن تظهر حرصها عليها، وقد ظهر ذلك في الموقف من مصر التي أوقفت عنها المساعدات العسكرية بعد الانقلاب، وأعلن “أوباما” أنه سينظر في إمكانية رفع العقوبات إذا حدث تقدم على المسار الديمقراطي، لكنها مع مصر لم توقع عليها عقوبات شاملة، بل اكتفت بهذه العقوبة الرمزية.. ويرجع ذلك إلى أنها بحاجة إلى تعاون مصر خاصة في ملف العلاقة مع إسرائيل، وبحاجة إليها في موضوع مكافحة الإرهاب الديني، وهو الموضوع الذي تنشغل به أمريكا هذه الأيام.
} أذكر أنني نبهت إلى خطورة الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية وحدها، لأنها مصدر غير مضمون، وقد تؤثر فيه العلاقات السياسي، لكن على الجانب الآخر التكنولوجيا الأمريكية في مجال تصنيع السكر من القصب هي الأفضل ولا مفر من الاعتماد عليها، وهناك محاولات من البرازيل للدخول منافساً لأمريكا، ولكن هذه الجهود بحاجة إلى الأجزاء الإلكترونية الكمبيوترية الأمريكية، أي أن الحاجة إلى أمريكا مستمرة خاصة وهي تزرع القصب في مناطق حارة وتبرع في صناعة الآليات التي تتحمل الحرارة.
} وبالإمكان الاتفاق مع الصين لتصنيع قطع غيار بديلة للأمريكية، وإلى أن يتم ذلك نحن بحاجة إلى التقنيات الأمريكية، ولا بد من إيجاد حل في موضوع الديمقراطية حتى لا تكون هناك حجة.. وفي اعتقادي أن الاتفاق مع المعارضة المسلحة أو السلمية يحل جزءاً كيراً من المشكلة ويمكن أن يقود إلى تخفيف المقاطعة.
} لم تكن أمريكا تستخدم هذا السلاح الاقتصادي، لكنها منذ أن عرفت أهميته أخذت تستخدمه، ويبدو أنها ستستمر في استخدامه إلى أن تركع الدول، اللهم إلا إذا أحست بالحاجة إلى سلعة تنتجها هذه الدولة.. ويقال إن الصمغ الذي تستخدمه في صناعة بعض الأدوية يتميز به السودان وبإمكانه استخدامه للضغط على أمريكا على أن نتحمل نتائج ذلك، فأمريكا لا تقبل أن تكون تحت رحمة دولة نامية، وستحاول إيجاد البديل، وقد علمنا أنها قطعت شوطاً في هذا المجال.. ويمكن التوسع في زراعة البنجر واستخراج السكر منه، لكن البنجر تكلفته عالية بينما القصب يروى بالأمطار.. وأمريكا لديها آليات ضخمة في الزراعة والحصاد والتخزين مما لا يمكن الاستغناء عنه، إضافة إلى أن السكر في السودان قد اعتاد مزارعوه على الآليات الأمريكية.. وعلى أية حال نحن أمام خيارات في هذا الملف، منها التقدم في مجال الديمقراطية وحرية التعبير، والاتفاق مع المعارضة المسلحة، وإجراء انتخابات بإشراف دولي.. وهذه كلها أمور سهلة ويمكن الاستجابة لها ولو تدريجياً إذا كان البعض يتخوف من الاستجابة الفورية، وبعدها ستعود كل الشركات الأمريكية للعمل في السودان.
} سؤال غير خبيث
} هل تعتقدون أن بيد السودان ما يمكن أن يعاقب به أمريكا؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية