وحدة «الميرغني» و«الدقير».. بين فكي «أحمد بلال» و«السماني الوسيلة» !!
مشروع وحدة الاتحاديين ظل على الدوام يتجسد في المشهد السيريالي على شاكلة لعبة السيرك، التي تقوم على الموقف المشدود والحركات الصاخبة والإبداع السينمائي حتى ينتهي الحشد إلى عرض جديد!!
في الذاكرة المعاصرة، كانت تجارب الوحدة الاتحادية تصل إلى طريق مسدود في نهاية المطاف، كأنما لعنة الفراعنة أصابت هذا المشروع العاطفي الكبير الذي يمثل قيمة تاريخية ومعنوية في وجدانيات قواعد كيان الوسط الكبير.
قبل سنوات عديدة كان هناك مشروع للوحدة الاندماجية بين الاتحادي الأصل والاتحادي المسجل برعاية مولانا “محمد عثمان الميرغني” والمرحوم “الشريف زين العابدين الهندي”، حيث تكونت ما تعرف بلجنة الثمانية من الطرفين لبحث الطرائق الناجعة للوصول إلى الهدف المنشود.. وقد كان يمثل الاتحادي المسجل يومذاك “الشريف صديق الهندي” والسفير “محجوب محمد عثمان” والدكتور “أحمد بلال” والمرحوم “دندش”، بينما مثل الاتحادي الأصل القيادي “أحمد علي أبو بكر” والأستاذ “فتح الرحمن البدوي” و”الخليفة علي أبرسي” والأستاذ “هشام البرير”، وقد استطاع الفريقان بعد اجتماعات مكثفة وضع ملامح المشروع الوحدوي بين الطرفين غير أن المحصلة كانت القبض على الريح!!
الآن تلوح في الأفق تحركات سرية ودفقات مكتومة، تطبخ على نار هادئة، تحمل في ثناياها صيغة جديدة للوحدة الاندماجية بين مولانا “محمد عثمان الميرغني” والدكتور “جلال الدقير”!! بطل الصيغة الوحدوية من جانب الاتحادي المسجل الوزير “محمد الدقير”، ومن جانب الاتحادي الأصل “الخليفة عبد المجيد عبد الرحيم”، وقد رأى الرجلان دلق المشروع الوحدوي على حبائل التكتم والمربعات السحرية حتى يدخل على منسوبي الحزبين كالظل لا يشعرون بوجوده إلا على أرض الواقع!!
إذا حاولنا إضاءة المصابيح حول أوضاع الحزبين، نجد أن الاتحادي المسجل يعاني من الصراع الصامت بين “جلال الدقير” و”السماني الوسيلة”، فضلاً عن شواهد نزول الأمطار الحمضية على الوزيرة “إشراقة سيد محمود”، وفي باحة الاتحادي الأصل هنالك التنازع بين المشاركة والخروج من الحكومة في ماعون المناورة، علاوة على وجود التحركات المناوئة للقيادة على مستوى محليات وهيئات الحزب بالخرطوم.
السؤال المركزي.. هل ينجح المشروع الاندماجي الذي يدور في هذا الظرف الدقيق بين مولانا وجلال الدقير؟ فالشاهد حسب الإجابات المنطقية أن الوحدة ليست عواطف ومشاعر جياشة ولا أنشودة وقصيدة شعر!! إنها حسابات سياسية عميقة وكتلة من المصالح والفوائد والثمار على درب المسؤوليات العامة.. إذ لابد من إخضاع الصيغة المقترحة على الدراسة المتأنية ومحاولة تلمس الربح والخسارة والتحوط من الانزلاق والفشل.
على المستوى الشخصي، أستطيع التوكيد بناءً على المتابعة والإلمام دون النظرة التشاؤمية بأن هذا المشروع الاندماجي سيواجه العديد من المهددات التي يمكن أن توقف اندفاعه وتكسر شوكته، فهنالك تعارض المزاج والأجندة والمنهج بين مولانا و”جلال الدقير”، فضلاً عن إشكاليات الخطوط والصلاحيات وتشابك شعيرات دوران النشاط الحزبي، يضاف إلى ذلك مؤثرات الهواجس والشكوك الموجودة في العقول عند الطرفين والمحاولات المتوقعة لتكسير المشروع من جانب ضحايا الصيغة الوحدوية من هنا وهناك، وأيضاً ربما تكون أخطر المهددات تكمن في قيام تحالف فوري وعلاقة صلبة بين الدكتور “أحمد بلال” والأستاذ “السماني الوسيلة” مبنية على الرفض القاطع للوحدة بين الاتحادي الأصل والاتحادي المسجل، انطلاقاً من مفاهيم عميقة وقناعة راسخة في الكتلة الدماغية والفلسفية للرجلين حول ويلات الذهاب إلى ضفة الميرغني!! “السماني” يضرب نموذجاً حياً عن صورة الاتحاديين المنقوشة في مخيلة مولانا و”أحمد بلال” يحكي عن تجربة متأصلة في دواخله مع “الميرغني” بحضور “حاج ميرغني عبد الرحمن”.. كلاهما يحمل قناعات ومفاهيم التباعد والانصراف عن الاتحادي الأصل عن يقين لا يخالطه الظن، ورؤية متجذرة في القلب والأحاسيس، فالواضح أن هذا المشروع الوحدوي بين مولانا و”جلال الدقير” سيكون بين فكي “أحمد بلال” و”السماني”، يقاتلان معاً لضربه وإخماد حركته بلا هوادة، ليس من باب إدارة الظهر لفكرة الوحدة الاتحادية، بل من قناعات الابتعاد عن مولانا، فالعلاقة المسترخية الآن بين “أحمد بلال” و”السماني الوسيلة” ستنتصب كعود غاب لا تثنيه الرياح في وجه التقارب المنتظر بين “الميرغني” و”الدقير”.
في الصورة المقطعية، هنالك من يرى بأن “السماني” و”أحمد بلال” ربما يقومان بتحريك العديد من منسوبي الاتحادي المسجل للوقوف في مواجهة مشروع الاندماج مع “الميرغني”، وقد يجد الدكتور “جلال الدقير” نفسه في وضع المتجاوب مع هذه النغمة، بحكم أن الرجل من طباعه أنه لا يضع كل البيض في السلة!!