المشهد السياسي

مع «حسين خوجلي» في بلاط السياسة..!

خصت قناة أم درمان مالكها الأستاذ “حسين خوجلي”، وهو أديب وكاتب صحفي معروف، ببرنامج دعته (مع حسين خوجلي)، يقلب فيه الذكريات والتاريخ و(الونسات) وما تورده الصحف من (مواجع) سياسية لا غير. وليس في هذا ما يحظر أو يؤاخذ عليه في الأداء حرفاً أو كلمة مسموعة ومبثوثة على لسان صاحبها في الفضاء.. إلا أن الأسلوب ونهج المخاطبة يظل هو محل الأخذ والرد والتعاطي مع ما تفرزه معية السامع والمتلقي مع الأستاذ “حسين خوجلي”. وهذا التعاطي أسلوب درجتُ عليه منذ سنوات طويلة في بلاط صاحبة الجلالة، ومع رموز أكبر سناً ومقاماً وخبرة، إلا أن (نقطة النظام) تظل هي نقطة النظام، بيد أنه يتعين أن تأتي في محلها وبجرح لا يسيل منه دم.. فقد كان المستشار الصحفي للمشير نميري “محمد محجوب سليمان” يقول لي أنت يا فلان (تجرح وما يسيلشي دم..) هكذا يقولها باللهجة المصرية وقد كانت هي لغته.. رحمه الله.
وفي عام 2005 كنت قد جمعت ما كتبته متواتراً في مثل تلك الأحوال في كتاب صدر بعنوان (مراجعات ومشاغبات في بلاط صاحبة الجلالة)، وهو من القطع المتوسط وقد اشتمل على ما نشر في ربع قرن تقريباً أي خمسة وعشرين عاماً.
أعود الآن إلى ذلك التعاطي لأن الأخ “حسين خوجلي” في إطلالته اليومية المذكورة كثيراً ما يكون قد (زوّدها)، كما يقول الإخوة المصريون، فهو عندما يتناول موضوعات ذات صلة بالشأن السياسي أو شأن الحكم يتحدث بلسان من يمثل الأغلبية من المواطنين، أو من هو مأذون بالنطق باسمها متغاضياً عن صلاحيات الآخر الحاكم دستورياً أو ديمقراطياً. وهذا ما لا يجوز، (فحريتك أو صلاحيتك) تنتهي عند بداية حريات وصلاحيات الآخرين..!
وقد قال مثلاً وبنفس حار عندما شح الخبز ليومين في الفترة الأخيرة، إن على هذه الوزارة أن تستقيل..! وكأن هذا الحدث وأمثاله في سلع خدمية أخرى لم يكن مألوفاً وقد يستمر لأيام كالكهرباء والوقود مثلاً.
إن العجلة من الشيطان.. وسوء التقدير والحساب يعود على صاحبه بما لا يُسعد، فقد ألقى الأستاذ بتلكم العبارة ولم يكن ليعلم إن كان التقصير في شح الخبز ليومين، مسؤولية جهاز تنفيذي بكامله أو جهة إدارية أو خدمية معينة، ولكم من الزمن..!
وأخطر من ذلك في الأسلوب والتعبير عن الرأي هو ما استمعت إليه من الأستاذ “حسين” في إحدى الحلقات الأخيرة – قبل يومين – وهو يقول مخاطباً السيد رئيس الجمهورية (فلتذهب هذه الحكومة ويذهب هؤلاء الوزراء الذين بقوا في الحكم لربع قرن من الزمان..!) فقد قال ذلك دون أن يذكر للحكومة (المعمرة) فضلها وإنجازها.. وبالضرورة أخطاءها وأوجه قصورها.. لا سيما وأن ما قال – وهو يضرب على الطاولة وبنفس حار – كان قد أدلى به، وفي ولاية البحر الأحمر كان الاحتفاء بالعيد الثامن للسياحة والتسوق وجملة منجزات خدمية وطريق يربط بين السودان الشرقي وإريتريا.. وكان ذلك بحضور الرئيس الإريتري الذي كانت له مع الرئيس السوداني تفاهمات وإستراتيجيات تدعم العلاقة بين البلدين الجارين من تجارية وأمنية ودبلوماسية، وهو خلافاً لما كان في السابق من توترات وأزمات بين البلدين.. كما هو معلوم.
الأستاذ “حسين خوجلي”، ورغم أنه يعنى بالتاريخ وإعطاء الرواد حقهم، ليس في أجندته وبرنامجه (مع حسين خوجلي) في قناته الفضائية (أم درمان)، غير أنت تذهب الحكومة ووزراؤها دون أن يعطيهما حقهما وهو كثير وبادٍ للعيان.
وحتى عندما طالع في الصحف أن السيد وزير الطاقة أطلق دعوة لبائعي أنابيب الغاز بما لا يزيد عن خمس وعشرين جنيهاً، وإلا فإنه سيوقف إمدادهم بها.. قال له “حسين” (اترك الحال في حاله..!) وانصرف للمهام الأخرى. وكأن الدكتور “عوض الجاز” وزير الطاقة الذي استنطق حقول النفط ومد الأنابيب وخطوطها الطويلة إلى المصافي وموانئ التصدير على البحر الأحمر، وظل واقفاً على ذلك كله، ليس من يُعنى بوصول أنابيب الغاز إلى مستهلكيها وبالسعر المدعوم، وليس (الملعوب) عليه تجارياً..!
وليس الغاز والنفط وحدهما بطبيعة الحال، وإنما هناك سدود وكبارٍ وكهرباء وطرق وموارد مياه، ومؤسسات تعليم بمستوياتها المختلفة ومؤسسات أمنية ودفاعية لها وجودها وأثرها الملحوظ.. وغير ذلك مما يكن له حضور من قبل على ما نرى اليوم.. وإن كان هناك أيضاً ما يذكر من سلبيات وأوجه قصور لها مسبباتها في عالم صار قرية، وطرأت عليه متغيرات تبعتها نتائج غير مستحبة.. وما يذكر هنا كثير، إلا أن الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية وغيرها تظل هي الأكثر تأثيراً في ما يجري من متاعب ومكدرات اقتصادية وأمنية ودبلوماسية، وعلاقات جوار واستقرار داخلي والإشارة هنا إلى:
– النزاعات الداخلية وعدم الاستقرار.
– المقاطعات الاقتصادية.
– توتير العلاقات مع دول الجوار والخارج وكذلك المعارضة الداخلية.
– الحركات المسلحة في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان ولها تأثيرها المباشر على الأمن والاستقرار والنسيج الاجتماعي، وللتداخلات الخارجية دورها فيها، أسوة بالمقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية، واستخدام ما يعرف بالجزرة والعصا من قبل الدول ذات التأثير في المنظمات الدولية والإقليمية.
ذلك أن للسودان موارده وامتداداته التي تجعل منه دولة لها وجودها وتأثيرها في الإقليم ثقافياً وسياسياً، وهذا ما لا يروق للآخرين فيقومون بكل ذلك النشاط المضاد.
وفي هذا الإطار والسياق لا نكمل الصورة إذا لم نقل إن للمواطن السوداني والجهاز التنفيذي دورهما في ما يحدث الآن، من عجز اقتصادي تشكو منه البلاد ويفتح الباب لعدم الاستقرار، فالمواطن أكثر ميلاً للاستهلاك وأقل قدرة على الإنتاج، والجهاز التنفيذي بعنصريه المركزي والولائي لم يحفز المواطن، ثقافة ومعينات عمل وبيئة، على الإنتاج. وهذا ما يلزم القيام به والالتفات إليه بالرؤية الصائبة والقرار الصائب.
لقد كان بإمكان صاحب برنامج (مع حسين خوجلي) وهو (ونسة) طويلة يطوف فيها صاحبها على كثير من المحطات والسندات، أن يوصل رسالته على الوجه الذي يليق بصاحب الرأي فينأى بنفسه عن (فرض) وجهة نظره.. وادعاء النطق باسم الآخرين، وهم الذين سيعبرون عن ما يرون عبر صندوق الاقتراع أو غيره من وسائل التعبير المشروعة.
إن تعبير (هذه حكومة لا نريدها.. ووزراء استمروا لربع قرن وبجب أن يمشوا..!) أسلوب تجاوز فيه صاحبه ما هو معروف ومألوف – كما سبق أن قلنا – واعتدى فيه على حقوق الآخرين وعلى حقوق السلطة الدستورية الرئاسية، التي هي تريد والأستاذ “حسين خوجلي” يريد.. فالعاقل يقول إن الأول له سند دستوري وسياسي بحسبانه رئيس الحزب الحاكم.. والأستاذ “حسين خوجلي” يريد.. ولكن ما هو سنده غير أنه صاحب كلمة يلقي بها وقد لا تؤتي أُكلها.. وقد ترتد عليه عدم إحسان وقبول، وهو ما لا يليق أو يناسب، فاختيار الكلمة المناسبة في المكان المناسب هو الأنسب، وبخاصة عند من يبيع الكلمة أو يسوق للفكرة والرأي.
والشكر للأخ الكاتب الموهوب “حسين خوجلي” الذي باعنا هذه الفرصة لنعود إلى (المراجعات والمشاغبات) في بلاط السياسة والفضاء الإعلامي وليس بلاط الصحافة.. هذه المرة..!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية