تحقيقات

بنك الدم المركزي.. حالة (أنيميا) حادة!!

ربما عجزت الكلمات هنا عن وصف ما رأيت.. وربما دعمت حديثنا ذاك اعترافات المسؤولين أنفسهم، وأنا أخطو أولى خطواتي داخل المبنى العتيق.. بنك الدم المركزي.. ففي قسم (المشتقات) مثلاً، وهو القسم المعني بفصل الدم عن مشتقاته، توجد غرفة الأجهزة وغرفة الصرف ومكتب الطبيب المسؤول داخل حجرة لا تتعدى مساحتها (4) أمتار، كما يوجد معمل ضبط الجودة وفصل العينات والهندسة الطبية في غرفة بنفس الحجم! إلا أن ما أحزننا هو صعوبة الوصول إلى بنك الدم حسب إفادات المدير الإداري في حديثه لـ(المجهر) في الوقت الذي يجب أن يكون فيه في متناول الجميع، لأنه يتعامل مع الحالات الطارئة.
بعيد عن المواصفات
سألت إحدى الموظفات عن مكتب المدير الإداري فأشارت إلى حجرة صغيرة بالية في كل شيء، وعرفت لاحقاً أنها كانت مطبخاً قديماً.. جلست إلى الدكتور “عصام الدين حسن” المدير الإداري لبنك الدم المركزي لتقصي بعض الحقائق عن مشاكل هذه المؤسسة الطارئة.
الدكتور “عصام” أكد أن بنك الدم المركزي يغطي حاجة المستشفيات الحكومية والخاصة داخل الخرطوم، وأن حاجة البنك الفعلية (650) زجاجة يومياً بينما المتوفر يومياً نحو (250) زجاجة!
وكشف عن أن أولى وأهم مشاكل بنك الدم هي أن بيئته غير صالحة، حيث إن مباني بنك الدم في جميع أنحاء العالم مميزة وذات مواصفات عالية، غير أن بنك الدم المركزي هنا مستضاف في مبنى أنشأته أسرة (السير لي ستاك)، وهذا المبنى لا يطابق مواصفات بنك الدم وهو آيل للسقوط. ففي قسم (المشتقات) مثلاً وهو القسم المعني بفصل الدم عن مشتقاته، توجد غرفة الأجهزة وغرفة الصرف ومكتب الطبيب المسؤول وكل هذا في غرفة لا تتعدى (4) أمتار كما يوجد معمل ضبط الجودة وفصل العينات والهندسة الطبية في مكتب بنفس الحجم السابق.. والجدير بالذكر، أن حالة هذه المكاتب يرثى لها. وأشار إلى أن بنك الدم يصعب الوصول إليه في الوقت الذي يجب أن يكون في متناول الجميع لأنه يتعامل مع الطوارئ. وأكد أنهم رفعوا مذكرة لإدارة العقارات بوزارة الصحة إلا أنها اعتذرت, فطلبت إدارة البنك الانتقال للقبة (معرض الأنسجة) وهو مبنى تابع لوزارة الصحة ومغلق منذ عشر سنوات إلا أن إدارة جامعة الخرطوم رفضت بحجة أنه تاريخي، وما كان من وزارة الصحة إلا أن قالت إن الجامعة لها رؤية يجب أن نحترمها.
أما عن مشكلة الكوادر، فأشار المدير الإداري إلى أنها ذات صلة بمشكلة المبنى، فكيف لمبنى مساحته (300) متر أن يسع (222) موظفاً, إذاً ليس أمام الموظفين حل سوى الجلوس تحت الأشجار ويقضون وقتهم في شراب الشاي والقهوة. وعن سؤالنا لماذا هذه الأعداد الكبيرة؟ قال: في السابق كان التوظيف عن طريق عقود تجدد كل عام, أما الآن فهؤلاء تم توظيفهم عن طريق البرنامج القومي لتشغيل الخرجين!
وأشار دكتور “عصام” إلى أن جميع معدات البنك جاءت من البرنامج الخماسي لنشر ثقافة التبرع، الذي تدعمه منظمة الصحة العالمية، وهو الذي وفر بنك الدم في الخرطوم وبعض الولايات منها: النيل الأبيض, عطبرة, شمال كردفان, ولايات دارفور والقضارف. كما أن البرنامج وفّر عربات التبرع وعددها (6) منها واحدة بمدني, مشيراً إلى أنه لولا وجود البرنامج الخماسي لما وجد بنك الدم. وأضاف إن خدمات بنك الدم في العالم هي مسؤولية الدولة، وذلك نسبة لأهمية الدم، ولأن أمراض الدم تنهي حياة البشر.
{ الإمدادات الطبية والميزانية
أكد د. “عصام الدين حسن” أن خدمات البنك كانت تتبع في السابق إلى رئاسة الجمهورية، وكانت تفي بحاجة البنك, إلا أن المشاكل بدأت في الظهور منذ تولي الإمدادات الطبية لميزانية البنك, وأتى شح المعدات، مع العلم أننا لا نستطيع تحمل أية مشكلة أو تأخير لتعاملنا مع الطوارئ، لأن الدم هو (سائل الحياة) وعدم توفره يعني الموت. ورغم أن الميزانية تورد في وقتها المحدد للإمدادات، إلا أن الأخيرة تتحدث عن عدم كفاية الميزانية وشح الخدمات.. لذا العملية الحسابية تحتاج إلى مراجعة، والإمدادات يجب أن تكون شفافة وتعطي التفاصيل كاملة, فهي هيئة غير ربحية وقامت لتوفير أفضل العروض بأفضل الأسعار لأنها تشتري بسعر دولار بنك السودان، ومعفاة من الجمارك، وكل هذه ميزات يجب أن تراعيها، وقد أصبحت هي السبب الرئيسي في مشاكل بنك الدم ومشاكل مرضى آخرين. وأشار إلى أن هذه المشاكل تهزم سياستنا المجانية خاصة في الولايات، وتفتح سوق الدم وهذا بدوره يقود إلى مشاكل أمراض الدم. ونفى د. “عصام الدين” وجود مستشفيات تبيع الدم، وأكد أن أية عملية لبيع الدم تحدث بطريقة غير قانونية، البنك غير مسؤول منها.
وعن كيفية توزيع الدم للمستشفات، قال دكتور “عصام” إن الحاجة حسب الوحدات العاملة، ونحن لا نعلم مثلاً عدد عمليات الولادة بمستشفى (الدايات) أو عمليات القلب بمستشفى (أحمد قاسم)، لذا يصعب تحديد الحاجة اليومية بالضبط، ونجد أن هناك نوعين من العمليات، طارئة وهي لا تتحمل أي تأخير وهذه يجب مراعاتها في الحاجة، والنوع الثاني عملية باردة وهذه يحدد زمنها بعد يوم أو أسبوع حسب الحالة, فالبنك يعمل على هذا النحو وقد يصادف أن يكون هناك يوم لا نحتاج فيه إلى زجاجة واحدة من الدم.
ونفى الدكتور “عصام الدين صحة” الإحصاءات التي أشارت إلى أن هناك فجوة تصل إلى (49%) في الدم السليم، مؤكداً تطبيقهم إجراءات السلامة العالمية، وأنه طوال فترة عمل البنك لم تسجل قضية تفيد بتضرر مريض من الدم, وأشار إلى أن هناك أربع مراحل لفحص الدم تشمل الكبد الوبائي (أ) و(ب) والايدز والزهري. وقال في حديثه لـ(المجهر) إن محاليل الفحص عالية الحساسية، ومهما كان الفيروس صغيراً فإنه يظهر في نتائج التحليل، ويمكن أن تظهر النتيجة سالبة إذا قام بنفس الفحص في مركز آخر, أما الدم التالف فنقوم بإبادته فوراً، وأي دم بعد قضاء (35) يوماً في الثلاجة تتم إبادته.
وعن كيفية توفير الدم قال دكتور “عصام”: إننا نطبق سياسة التبرع الطوعي، وهي ثقافة توصل للمتبرع مدى استفادته من عملية التبرع، حيث إن التبرع بالدم يتم بعد عملية فحص مما يطمئن المتبرع على صحته، كما أنه يقوم بتنشيط الدورة الدموية ويمنع حدوث الجلطات، وكل هذه الفوائد تحصل عليها خلال عشر دقائق.. كما أكد الدور الفعال الذي تلعبه عربات التبرع، حيث إنها تنقل بنك الدم من المبنى وتجعله في متناول الجميع, وأشار إلى أن العربات الحالية (5) فقط ونطمع في أن تصل إلى (15) عربة لنستطيع الوصول إلى متبرعين خارج الخرطوم، ودعا الإعلام إلى مساندتهم لنشر ثقافة التبرع.. وأشار إلى نوع آخر من التبرع، وهو التبرع الأسري، أي تبرع الأقارب لمريضهم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية