تقارير

الأمة والمعارضة.. سيناريوهات الفراق الأخير

استعارة المؤتمر الشعبي لأحد المصطلحات الشعبية الرائجة، التي دائماً ما يستدل بها إمام الأنصار «الصادق المهدي»، لتوصيف حالة معينة للرد على الاتهامات التي طالته من رئيسة المكتب السياسي للأمة «سارة نقد الله»، التي قالت فيها إن «الترابي» هو مهندس أزمة دارفور، ربما تحمل في باطنها رسالة حادة معناها أن ما بين الحزبين قد تعدى مرحلة الاختلاف إلى مرحلة (التراشق اللفظي)، والخصومة البائنة.
الهجوم الحاد المتبادل بين الحزبين يجيء ضمن سلسلة متتابعة من نقد لم ينقطع من الحزب الذي حاز على أعلى الأصوات الانتخابية في الانتخابات التي أعقبت انتفاضة (مارس/أبريل)، فبعد أن ألهب الإمام ظهر البعثيين والشيوعيين و»فاروق أبو عيسى» بسياط النقد الحاد، ووجه سهاماً حادة إلى تحالف المعارضة، فتح جبهة جديدة طالت هذه المرة أكثر الأحزاب تشدداً الذي يدعو إلى إسقاط الحكومة.
عدم التوافق بين رؤى وأطروحات حزب الأمة القومي من جهة والتحالف المعارض من جهة أخرى، لم يكن سوى عنوان عريض ضم في جوفه كل متناقضات الحزب والمعارضة.. هذا التباعد تم الإعلان عنه رسمياً قبل يومين أن أعلن رئيس الهيئة العامة للتحالف المعارض «فاروق أبو عيسى» في مؤتمر صحافي عقد بالخرطوم (أن اجتماعاً لرؤساء الأحزاب المعارضة عقد مساء الاثنين قرر بالإجماع رفض الشروط التي وضعها حزب الأمة للبقاء في تحالف قوى الإجماع الوطني، وتركوا له حرية البقاء في التحالف أو مغادرته)، وتأتي هذه التصريحات في أعقاب تقدم حزب الأمة بمذكرة للتحالف يرفض فيها رؤية التحالف لكيفية إسقاط النظام، فحزب الأمة يدعو إلى تكثيف العمل الجماهيري للضغط على النظام للقبول بعقد تسوية تنتهي بتفكيكه، تدعو بقية أحزاب التحالف إلى إسقاط النظام مباشرة لأن الحوار معه بات غير فعال ويطيل عمره في السلطة.
هذا ما تم الإعلان عنه عبر المنابر العامة.. تم الإعلان عن أن ثمة (اختلافاً في الرؤى) قضى بأن يبتعد حزب الأمة كثيراً عن تحالف المعارضة، ويقترب بالتالي أكثر من المؤتمر الوطني.. وربما ذاك ما عدّه الكثيرون وراء التصريحات النارية التي يتم تبادلها هذه الأيام بين الأمة والشعبي، ولكن ما تحويه محاضر اللقاءات غير المعلنة قد يبدو أكثر من ذلك، وتلك النقطة بالذات أشار لها أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري د. «حمد عمر حاوي»، مبيناً أن خلاف الأمة والشعبي يرتبط بكثير مما سماها (إجراءات خلف الكواليس) التي قد يكون الحزبان مطلعين عليها، ولكن الآخرين لا يعرفون عنها شيئاً، وتابع: (كأنما حزب الأمة القومي على وشك عقد اتفاق مع الحكومة، وأن ثمة محاولات تجري لإشراكه في التشكيل الوزاري القادم، بينما أحرق المؤتمر الشعبي كل مراكبه وسفنه مع الحكومة بدعوته إلى أهمية توحيد كل القوى لإسقاط النظام)، لافتاً إلى أن دخول حزب الأمة التشكيل الوزاري يجعل من طموحات الشعبي بعيدة المنال في حين أن من سماهم د. «حاوي» (قيادات محسوبة على الأمة) لا يزالون يطمحون إلى التغيير عن طريق المشاركة من الداخل والتغيير المتدرج، كأنما لديهم مصلحة من استمرار النظام الحالي.
} حرب الوكالة
 هذا التناقض الكبير، حسب رؤية د. «حمد»، هو ما أنتج ما وصفها بـ(حرب الوكالة) التي لها خلفيات في التاريخ القديم، مشيراً إلى أن حزب الأمة لم يجتمع مع الشعبي من قبل إلا في جسم المعارضة. وأبان د. «حمد» أن الأمة يسعى إلى تمديد عمر المؤتمر الوطني، ولهذا فهو يحارب نيابة عنه، بينما يدخل الشعبي المعترك وهو لا يرى سوى إسقاطه بديلاً أمثل.
وأكد د. «حمد» أن التفاوض بين الأمة والوطني يبدو أنه قطع شوطاً بعيداً، وأن ثمة صفقة سرية يجري الترتيب لها بين الحزبين، وهو ما عابه على الحزبين لجهة أن ذلك يهم المواطن السوداني في المقام الأول، وأن من حقه أن يعرف ما يجري خلف الأبواب المغلقة.. ورغم أن خروج الأمة من التحالف المعارض قد يمثل ضربة قوية له إلا أن د. «حاوي» أكد أن حزب الأمة في حال وافق على المشاركة فإنه سيضر نفسه في المقام الأول، متكهناً برفض معظم قواعد الحزب للمشاركة لأنها ستفقده كثيراً من أسهمه، وسيكون متورطاً مع المؤتمر الوطني، وتوقع أن تحدث انشقاقات داخله.
} خيوط مبهمة
رغم تأكيد د. «حمد» على وجود تناسق وصفقات سرية بين الحزبين، إلا أن الدكتور «صفوت فانونس» استبعد مشاركة حزب الأمة في التشكيل الوزاري القادم، لأن هذا الموضوع تم ذكره كثيراً خلال الفترة السابقة، ولن تتحقق المشاركة ما لم تكن في إطار حكومة قومية لا يسيطر عليها حزب المؤتمر الوطني، أو أن تكون حكومة (تكنوقراط)، وغير ذلك استبعد د. «فانوس» مشاركة حزب الأمة في الحكومة، نافياً في ذات الوقت وجود خيوط تربط بين الهجوم المتبادل بين الشعبي والأمة وقرب إعلان التشكيل الوزاري المرتقب، مشيراً إلى أن موقف الأمة من المعارضة غير مرتبط بحواره وعلاقاته مع المؤتمر الوطني، لافتاً إلى الأول يختلف مع المعارضة منذ فترة طويلة، لا يحضر فيها «الصادق المهدي» اجتماعات القيادة، كما أن بين الاثنين هجوماً متبادلاً، واصفاً ما بين الاثنين بـ(المشكلة الجوهرية).
} مفترق طرق
حزب الأمة بقيادة الإمام «الصادق المهدي» يبدو أنه قد (قنع) أخيراً من التحالف المعارض، ويبدو أن جسور التلاقي قد تداعت، وأن آخر الخطوط قد تقطعت ظاهراً وباطناً، وبعد التصريحات الأخيرة التي كشف فيها «أبو عيسى» عن توقيع رؤساء الأحزاب على وثيقة (البديل الديمقراطي)، وتماثل برنامج سياسي لإدارة الفترة الانتقالية التي تعقب إسقاط النظام، وأنهم على وشك التوقيع على وثيقة الدستور الانتقالي لكنه لم يحدد موعداً بعينه، واتفاق الرؤساء على تفعيل عمل مؤسسات ولجان التحالف مع الإبقاء على الهيكلة الحالية للتحالف؛ وتلك نقطة إضافية من القضايا الخلافية مع حزب الأمة الذي يطالب بإعادة هيكلة التحالف، التي يمكن أن تضاف إلى نقاط الخلاف المتعددة التي قد لا تنفع معها إعادة ترقيع أو إعادة ما تشظى منها إلى جادة الطريق.
ولكل ذلك، فإن عدداً من قادة المعارضة لا يفتأون يبتدعون أشكالاً ساخرة من تقارب «المهدي» مع الحكومة مثل قول «الترابي» إن («الصادق» يصبح مع المعارضة ويمسي مع النظام) ونعتهم المتواصل بأن له (دريبات) مع المؤتمر الوطني، كما أن مشاركة ابنه «عبد الرحمن» في الحكومة السابقة منهم من يعدّها (قولة خير) لارتباط وثيق بين الأمة والوطني.. ولا يستبعد مراقبون أن تطلق الرصاصة الأخيرة على علاقة الأمة والتحالف خلال اليومين القادمين.. وأن أمر الفراق النهائي لا يعدو سوى أن يكون مسألة وقت ليس إلا، بعد أن اتضحت الأمور بشكل ظاهر.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية