والقمة الكويتية تطور آخر
منذ سنوات، وجمهورية الصين الشعبية تواصل انفتاحها على العالم وتخرج من العزلة التي فرضت عليها، كانت قد أعادت إلى الوجود مع العالم العربي ما عُرف بـ (درب الحرير) التجاري والثقافي الذي كان يربطها به، فتأسست (رابطة جمعيات الصداقة العربية الصينية) لترعى وتواصل تلك العلاقة بمستوياتها الاقتصادية والدبلوماسية والثقافية التي جعلت من الصين شعباً وحكومة شريكاً للبلاد العربية التي لم تعد حكراً لجهة بعينها، وإنما صارت لها وسائلها ومؤسساتها التي تربطها بآخرين غير جمهورية الصين، حيث إن ضرورات تداخل المصالح والمنافع قد دفعت بمكونات ما يُعرف بالعالم الثالث لترجمة ذلك إلى أجندات عمل وبرامج.
وفي هذا السياق، وعلى ذلك الطريق، وبعد الخطوة الدبلوماسية الجسورة للمملكة العربية السعودية إزاء الجمعية (68) للأمم المتحدة ومجلس الأمن، ثم قمة الدول الأفريقية في أديس أبابا بعد ذلك بشأن المحكمة الجنائية الدولية التي لها انحيازاتها وتجاوزاتها غير المقبولة، جاءت القمة الرئاسية العربية الأفريقية في دولة الكويت بضيافة ورعاية من أميرها الشيخ “الصباح” وشعبها المعروف بالوقوف إلى جانب الحرية والاستقلالية ودعم الشعوب المستضعفة اقتصادياً ودبلوماسياً…الخ.
اللقاء بين الدول العربية والأفريقية بحثاً عما يدعم تكامل المصالح والمنافع لم يكن وليد اللقاء الأخير، والمشار إليه في دولة الكويت، وإنما كان قد بدأ لأول مرة بجمهورية مصر العربية في عام 1977.. ثم نام نومة طويلة ليصحو في عام 2010 في جماهيرية القذافي الليبية (يومئذ)، ليقتصر الحضور على عدد قليل من البلاد العربية ومؤسساتها الاقتصادية، حيث كانت للقذافي مواقفه وسياساته المناوئة للجامعة العربية والعلاقة بين الدول العربية والأفريقية بشكل عام..!
في 18 نوفمبر 2013 جاءت القمة الرئاسية العربية الأفريقية في العاصمة الكويت لتشكل الخطوة الكبرى والإيجابية الأولى في العلاقة بين الإقليمين المتجاورين والمتداخلين سكانياً وثقافياً وإثنياً واقتصادياً لا ريب، فلكلٍ من الإقليمين (الشرق الأوسط) والأفريقي في الظرف الحالي ما يدعوهما إلى مثل ذلك اللقاء بين الرؤساء العرب والأفارقة. فالعالم اليوم بتطوراته ومتغيراته ومصالحه صار فيه ما يدعو الآخرين من (الصغار) إلى التآلف وتنسيق الأدوار ورعاية الحراك في أشكاله المختلفة.
ولهذه الأسباب كان الحضور في قمة الكويت الرئاسية العربية الأفريقية كبيراً وموفياً بالغرض إلى حد كبير، فقد جاء إلى هناك كلٌّ وفي معيته مؤسساته وآلياته المطلوبة في مثل هذه اللقاءات، فقد انعقدت القمة تحت شعار (شركاء في التنمية والاستثمار) فهو شعار مطلوب ومعبر وله مطلوباته أيضاً والتي منها بالضرورة:
– الاهتمام بالأمن والاستقرار في أفريقيا.
– والتطرف الديني وما يُدعى الإرهاب.
إن البلاد العربية، ولا سيما الخليجية منها ذات القدرات النفطية، تشكل العنصر الأساسي في تحقيق شعار (شركاء في التنمية والاستثمار) الذي تبنته وانعقدت تحته القمة التي نحن بصدد الحديث عنها وعن مخرجاتها.
والبلاد الأفريقية أيضاً بما لها من فرص للاستثمار وتحريك الموارد تشكل العنصر الآخر المطلوب في عملية توظيف الأموال وسد الفجوات، التي في مقدمها بطبيعة الحال الفجوة الغذائية في العالم، وحاجة أفريقيا إلى التنمية والخدمات التي في مقدمتها التعليم والصحة وإتاحة فرص العمل التي تلعب دورها في الاستقرار والأمن والبعد عن التطرف وأسباب عدم الاستقرار وهو ما ورد ذكره في القمة.
ولما كان ذلك كذلك، فقد كان من مخرجات وقرارات قمة الكويت الرئاسية العربية الأفريقية: الاتفاق على آلية لتمويل عدد من المشروعات الكبرى في أفريقيا، ولا سيما في مجال الزراعة، لسد الحاجة إلى الغذاء أفريقياً وعالمياً كما ذكرنا.. فالقارة الإفريقية تعج بالإمكانات الخاصة بذلك من مياه وتربة وبيئة مناخية ملائمة، علاوة على ثروات أخرى غابية وحيوانية وسياحية وغيرها، حان الوقت لاستنطاقها والعمل فيها لمصلحة الجميع وليس لمصلحة المستعمر كما كان الحال في السابق.
ثم لأن الدول العربية ذات المقدرات قد جاءت إلى الكويت بمؤسساتها الاستثمارية المختصة كوزارات المال والاقتصاد والاستثمار والصناديق والبنوك فقد كان هناك:
– الصندوق السعودي للتنمية.
– والصندوق العربي الكويتي.
– والبنك الإسلامي للتنمية.
فضلاً عن (المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا) الذي رفع رأسماله بنسبة (50%) ليتمكن من القيام بدور استثماري أكبر في القارة الأفريقية.
وما يجدر ذكره هنا أيضاً – والدولة المضيفة كانت معنية بترجمة شعار القمة (شركاء في التنمية والاستثمار) – أن سمو الشيخ “الصباح” قد رصد ملياري دولار من دولته لتمويل مشاريع بقروض ميسرة في القارة الأفريقية، وذلك علاوة على مليار دولار أخرى عبر البنك الدولي لذات الغرض.
كما أن السيد وزير المالية السعودي – عبر الصندوق السعودي للتنمية – وقع عقوداً مع سبع دول أفريقية في الصالة المجاورة لقاعة الاجتماعات. ويذكر في ذلك السياق والخصوص أيضاً أن آخرين من دول الخليج قاموا بذات الدور – كما شهد بذلك آخرون. وهذا كله يعكس الرغبة في توثيق عرى التعاون والعمل المشترك لتحقيق المصالح المشتركة بين البلاد العربية والأفريقية، وهي الخطوة التي باتت تعبر عن المرحلة في عالم متغير وظروف مناخية إقليمية ودولية متغيرة أيضاً.
إن العلاقة التقليدية والسابقة المعروفة بين كل من الدول العربية – الخليجية تحديداً – والدول الأفريقية، قد تبدلت وصارت إلى تغيير، كما نرى ونسمع في الحراك الدولي والإقليمي، مما جعل الجميع يبحثون عن مصالحهم وكراماتهم السيادية والاقتصادية والدبلوماسية.
ولهذه الأسباب بتقديرنا كانت القمة الرئاسية العربية الأفريقية الثالثة في الكويت بعد بيات شتوي حقيقي أصاب العلاقة.
ففي عام 1977 عندما انعقد أول اجتماع رئاسي للبلاد العربية – الأفريقية في مصر، كانت الحقبة من ناحية اقتصادية في المنطقة حقبة (البترو دولار)، أي الحقبة التي ارتفع فيها عائد النفط ومدخلاته، وصارت للبلاد الخليجية المنتجة للنفط احتياطيات من العملة الصعبة تبحث لها عن استثمار آمن.
وكانت تلك الحقبة من ناحية سياسية ودبلوماسية حقبة النصر على إسرائيل في حرب 6 أكتوبر 1973 وعودة الكرامة للأمة العربية، المرحلة التي استهلها الملك “فيصل” بقطعه تدفق النفط ورفع أسعاره.
ما يشبه ذلك الآن، وبعد الأزمة المالية العالمية التي ضربت البلاد الغربية وتأثر بها العالم كله تقريباً، بات الاتجاه بالاستثمار إلى البلاد الأفريقية له مبرراته وضروراته، فالحقبة العالمية اليوم حقبة مصالح ومنافع، وهذا ما يراه المراقب والمتابع للشأن الدولي بعينيه هذه الأيام:
– الشأن السوري جامد وغير متحرك بسبب الممانعة بين الأطراف الرئيسة – الاتحاد الروسي والولايات المتحدة.
– العلاقة الأمريكية – الإيرانية وما جدّ فيها من متغيرات أزعجت الكل في المنطقة خليجياً وإسرائيلياً.
وهاتان النقطتان، وقبلهما الأزمة المالية العالمية التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الأوروبيين، دفعا أكثر بالبحث عن بدائل لها مردوداتها الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، وربما كان هذا هو السبب في تنشيط اللقاء والتفاهم العربي الأفريقي في دولة الكويت مؤخراً.
الكويت دولة خليجية استثمارية وناشطة دبلوماسياً وإنسانياً وغير ذلك.. إلا أنها متأثرة أيضاً – شأن آخرين – بما يجري على الساحة الدولية والإقليمية، وبعضه ما ذكرناه آنفاً.
وكيفما كانت القراءات والتحليلات السياسية للقمة الكويتية العربية الأفريقية وهي بكل المعايير والمقاييس ناجحة، إلا أن الدول الأفريقية التي تتطلع إلى التنمية واستغلال الموارد والخروج من دائرة الاستسلام لحقبة ما قبل التحرر الوطني والاستقلال، ستكون سعيدة بمنتجات ومخرجات القمة الكويتية التي شكلت بداية الطريق والقادم أكثر.
التحية للمبادرة الكويتية التي وضعت العلاقة بين الطرفين (البلاد العربية والأفريقية) في مسارها الصحيح الذي نرجو له أن يستمر ليلبي أهداف الطرفين الاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية وغيرها.. فقد كان هنا مقترح بإنشاء (محكمة عربية لحقوق الإنسان) مقرها دولة البحرين.. ولا بد أن ذلك يأتي في سياق عدم الارتياح من الجنائية الدولية وسلوكها.. ومؤسسات المنظمة الدولية التي تقع تحت سيطرة الخمسة الكبار..!