رحم الله الدراما
يبدو أن كتاب الدراما التليفزيونية في السودان عليهم الانتظار إلى ما شاء الله، لكي يرى الواحد منهم عمله وقد تحول إلى مسلسل، فالتليفزيون ليس من خططه إنتاج الدراما.. فقد أكد لي “حسن فضل المولى” في محادثة هاتفية أنهم لم يصرحوا لدى صحيفة بأنهم سيقومون بإنتاج الدراما، كما كان الأمر في غابر الأيام، تلك أيام لن تعود إلا إذا حدثت معجزة، وليس هذا زمان المعجزات، في حديث بالهاتف أكد لي الأستاذ “حسن فضل المولى” أن كل ما ينشر عن رعايتهم للإنتاج الدرامي التليفزيوني غير صحيح، وكنت قد اتصلت لأبلغه عن مسلسلي الذي أجل من العام السابق، ولم أعرف ما أقول بعد هذا الكلام القاطع الواضح.
لا أعرف ما الذي دفع التليفزيون لإيقاف الإنتاج الدرامي، في الوقت الذي تتنافس فيه الدول حولنا منافسة طورت الإنتاج الدرامي العربي حتى في دول الخليج، هل ما زالوا يخشون الدراما؟ هل هو عدم وجود المال؟ بالنسبة لهذا الأمر لن أصدق، لأني أعرف الإعلانات التي تبث خلال المسلسل تجلب لخزينة التليفزيون ما لا يقل عن مليار جنيه خلال شهر واحد.. احترنا في معرفة السبب، الذي أعرفه أنه يمكن إنتاج مسلسل بحوالي مائة مليون جنيه.. وأن الدراما تصرف على نفسها وتحقق أرباحاً.
في رأي البعض أن الدراما التليفزيونية لا يمكن أن تكون موالية لفكر النظام، ولا حل إلا في حجبها نهائياً لنرتاح منها نهائياً، أقول لأصحاب هذا الرأي إن الإنتاج الدرامي يمر بمرحلة إجازة النص أولاً، ويمكن عدم إجازة أي نص به نقد لفكر النظام، وهذا أمر مقدور عليه، ويمكن تشجيع الإنتاج الموالي والإغداق عليه، فينافس الكتاب في هذا المجال.
النتيجة الأولى لهذا القرار ستكون توقف نمو الدراما في السودان، لأنها تتطور تدريجياً، ويلاحظ أنها بدأت بالتمثيليات في الستينيات والدراما الإذاعية إلى أن وصلت لإنتاج المسلسلات، ولا أعرف من هذا الذي أقنع أهل التليفزيون بالتوقف عن إنتاجها، لقد قلنا كثيراً إن الإنتاج الدرامي يخدم قطاعات كثيرة، وهو يساهم في إقبال الناس لمشاهدة معالم البلد، هذا ما كشفناه عدة مرات، لكن يبدو على الجانب الآخر من لا يرى في الدراما إلا الجانب السيئ.
نتيجة أخرى ستترتب على هذا القرار أن السودان سيخلو من الكتابة الإبداعية، وبعد سنوات قلائل لن تجد أحداً يعرف أبجديات الكتابة للتليفزيون، بعد أن اقتنع هذا الجيل بأنها رجس من عمل الشيطان.
وسيأتي يوم من الأيام لن يكون عندنا شخص واحد يعرف معنى كلمة إخراج، وحتى المسرح ستموت حركته أو تشل.. ولن يتطور المسرح، وستخلو الأمسيات من مسرحية تجذب الناس إليها.. وحتى القليل الذي مازال يناضل سيتوقف نهائياً.. ولا حديث عن إنتاج مشترك.. دول الخليج المحافظة أخذت تنافس في إنتاج الدراما، فظهرت مسلسلات (طاش ما طاش) السعودية وغيرها التي تنتج في رمضان، ونحن حتى رمضان لن يكون لنا إنتاج.
الآن إذا قابلت أحد العاملين في حقل الدراما ستجد حاله يغني عن سؤاله، فهو عاطل مفلس وليس مثل حال زملائهم في مصر الذين أصبحت دخولهم كبيرة، لأن الإنتاج مستمر، كما أنها أصبحت مطلوبة من باقي الدول العربية.. لقد أوقف إنتاج الدراما في الوقت الذي أخذ العاملون فيها يتحولون إلى نجوم.. هل خشي الناس من تحولهم إلى نجوم؟
لعبت الدراما المسرحية دوراً كبيراً في الحركة السياسية، فقد كان لها دور في نشر الوعي بين الناس عن أهمية الاستقلال، وفي فترة من الفترات كانت الأسر تحرص على مشاهدة المسرحيات، وكانت السلطات الاستعمارية تحاربها في بلادنا، لكنها ترضى بها في بلادهم، فنشأت فرقة السودان للتمثيل والموسيقى، وأصبحت هناك عشرات الفرق، وكانوا يقدمون فواصل في الحفلات الغنائية. وكان المنتظر تطور هذا العمل كما حدث في مصر، الآن أغلقت الاستوديوهات، وأطفئت أنوارها، وهجر الممثلون المهنة، وتوقف نمو هذا القطاع، فهل تريد الإنقاذ أن توصف بأنها قتلت الدراما التي ظهرت في العشرينيات؟
قالوا.. ونقول
قالوا لي: إن البغل الاسترالي حرض الخنزير النيجيري ليسخر من عمودي، فقلت: عسى ذلك يشفي البغل من عقدة الدولية.