فى ستين !
لي رأي صريح وواضح في مسائل انحراف ملف دارفور في الحلول والتسويات إلى غلبة مفهوم المحاورة عبر مدخل التواصل العشائري، بحيث إن على أن وزير العدل (دوسة) القيام بمشروع في سياق معالجات قبلية معنية بأهله وقضايا الحرب والسلام بدارفور، فيما ينهض وجهاء الرزيقات بعمل مماثل في منحى آخر لجهة إفشاء السلام بين “موسى هلال” والوالي “كبر” بينما يجوب رجل الأعمال “صديق ودعة” الآفاق عبر لجنة الاتصال مع الحركات المسلحة الرافضة للسلام، وهؤلاء قائمة تطول من جماعة “جبريل إبراهيم” إلى “مني أركوي مناوي” و”عبد الواحد نور” وصف طويل من القيادات والحركات التي لا تنتهي في الوقوف في صف الأزمة !
مرتكز اعتراضي أن أهل دارفور، معارضين وحاكمين ومواطنين (فلوتر) عليهم الالتزام بمنطق أن النقاش والجدال إنما يكون مع السلطة – ولو عبر وسطاء وشهود- إذ لن يكون مفهوماً مدى إلزامية أي اتفاق مع هذا وذاك، لكونه شيخاً مبجلاً في الإقليم أو ابن كبير أو نجل زعيم، ولأن هذا حتى في حال حدوثه يكون عملاً عاطفياً أو تدخل فيه تقديرات الأوزان العشائرية و(تضريبات) الربح والخسارة الأهلية، ولن يمس الأمر أصل المشكلة أو يحل القضية لكونها مسكنات ومهدئات وجهود شخصية تستصحب معها رؤية الحكومة، صحيح لكنها ستقصر عن الإحاطة بالأمر لأن الآخر بالطرف المتمرد لن يستطيع إلزام “ودعة” مثلاً بعهود والتزامات هي من صميم اختصاص الحكومة!
ولست أدري كيف سيتم الأمر، وأي حكومة هذه ستقبل بأن يذهب شيخ أو فكي إلى الخارج ويحاور لها حركة العدل والمساواة وغيرها من الجماعات، وبأي سقوفات ومرجعية ولو أن الأمر يجوز كذلك، فما الداعي أصلاً للقول بأن هناك حزباً وجماعة حاكمة لها برامجها وخططها ومكتبها القيادي ومجلس شوراها حين يكون على كل هؤلاء الانتظار ومباركة مخرجات أنشطة القيادات الأهلية في الضعين أو جهود “دوسة” في أم جرس أو محصلة اجتماعات “صديق ودعة” في كمبالا وأديس أبابا !
مشروع السلام في دارفور ومطلوبات الاستقرار والتنمية عمل تتحمله بالكامل الحكومة النظامية، من يريدها فعليه سلوك المداخل إلى هذا الجسم، تحته يفاوض وبه يحاور، ومن أبى فالباب يفوت جمل، وما أضر بهذه القضية إلا كونها صارت مطية لأي “مجرب” ولكثرة الفحص والكشف ومقترحات التداوي بالحبوب والإبر حتى صار جسد الأهالي من ولايات دارفور منهكاً فما نالوا عافية ولم يموتوا والسبب الأول والأخير أبناء المنطقة نفسها قبل الآخرين.
دارفور ركن ركين في السودان وتطويرها، وفرض السلام فيها بالتفاوض أو القوة مسؤولية الحكومة التي عليها مواجهة هذا الواقع بالصراحة اللازمة، وشكرَ اللهُ سعي الساعين في الحلول بطرقهم الخاصة واجتهاداتهم، وعليهم توفير تلك الطاقات لدعم المظلة المؤسسية للدولة وأجهزتها الحزبية والتنفيذية والتي إن لم يعترف بها المتمردون ففي ستين !!