الجريمة والعقاب..!
ولماذا يكترث؟! إنه مطمئن تماماً إلى أن سيارته (الحكومية) لن تمر عبر (الزحمة) التي سببتها القرارات الخاطئة لتغيير الخارطة المرورية.. ولو حدث ومرّ بهذه (الزحمة) فإن (الموتسيكلات) التي (تنونو) ستفسح له الزحمة بل وتمحوها تماماً..!
لماذا يكترث؟! وهو أصلاً ينهي جميع معاملاته بمجرد إدارة قرص الهاتف الحكومي (الثابت) المدفوع القيمة أو حتى (النقال) المدفوع القيمة أيضاً.. فمثله لا يقفون في طوابير الانتظار.. ولا يسمعون عبارة (فوت وتعال بكرة).. أموره كلها مقضية وطلباته أوامر!!
لماذا يكترث؟! وهو يسكن في فيلا فارهة بالحي الراقي وأمامها الشارع المرصوف خصيصاً لمرور عربة سيادته.. حيث لا يمكن لـ(بعوضة) واحدة أن تحلق في سمائها.. فمثله لا يقطنون في بؤر (البعوض).. ومثله لا يشربون الماء إلا صفواً فيما يشرب غيره كدراً وطيناً..!
هو لا يكترث.. لأنه جاهز دائماً لأي طارئ.. لا يدخل مستشفيات العامة التي تنعدم فيها أبسط المقومات الطبية لأنه في كل (مأمورية) يجري فحصاً شاملاً له ولمن معه.. و(أدويته) من الخارج أيضاً.. مثلما جميع (بدلاته) و(أحذيته) وربطات عنقه.. من الخارج أيضاً..!
هو قد يسمع فقط بآلام البسطاء وعذابات المحرومين.. وربما كان في يوم من الأيام واحداً منهم.. لكنه الآن لا يعرفهم وما يسمعه عنهم يدفعه لأداء الدور التمثيلي المكرر.. يفتح عينيه ويعلق بدهشة: (هل هذا معقول؟!).
المعقول أيها المسؤولون الكبار أن هذا البلد أصبح بلدين.. بلد للناس الفوق.. وبلد للناس التحت.. أما المسافة بين البلدين.. فهي مسرح العبث واللا معقول الذي أباد الطبقة الوسطى كلية وجاء بمستجدي النعمة والرأسماليين الطفيليين الجدد الذين لا أحد يعرف من أين أتوا بكل هذه الثروات، ولم تجرؤ الحكومة الرشيدة على سؤال أحدهم: من أين لك هذا؟!
الأثرياء فيهم الشرفاء ولا أحد يمكن أن يحسدهم على النعيم الذي هم فيه، لكن الواجب عليهم أن ينظروا للناس (التحت) من خلال مد يد العون لهم لإحياء الطبقة الوسطى مجدداً التي يمكن أن تعيد النسيج الاجتماعي إلى وضعه الطبيعي.
أما أثرياء (النبت الشيطاني) فلا بد أن تفتح ملفاتهم في (الثراء الحرام) لمعرفة مصادر أموالهم.. فالمال (الحرام) حين يدخل لبلد يوجد (السحت) الذي يفضي إلى الهلاك..!
أما المسؤولون الكبار الذين ينعمون بالمخصصات والامتيازات الكبيرة التي جعلتهم لا يعرفون شيئاً عن المواطنين ولا يكترثون بمعاناتهم، فهؤلاء ينبغي وجودهم بين الناس في أماكن السكن والعمل كشرط أساسي لتحصلهم على هذه الاستحقاقات الخرافية التي تتم بعلم الحكومة.. أما المسؤولون الكبار الذين تضخمت ثرواتهم وتجاوزت مجرد ما يتحصلونه من مخصصات إلى مد أيديهم للمال العام، فإن (الحكومة) التي لها عيونها في كل مكان تعرفهم جيداً، فإن سكتت عنهم فهي شريكة في الجرم، وإن لم تسكت فالمنتظر هو المحاسبة والعقاب..!!