رأي

العيد في أوائل الستينيات..!!

خلال عقد الستينيات السعيدة كانت للعيد في الخرطوم نكهة أخرى نفتقدها هذه الأيام.. خلال تلك الحقبة، وكانت خلال عهد الرئيس “عبود”، كنا في المرحلة الابتدائية وكانت تسمى الأولية. كان الرئيس آنذاك هو الفريق “إبراهيم عبود”، وقد أحدث ثورة في كل شيء، لأول مرة ظهرت الحدائق والشوارع العريضة المضاءة، وكان الاحتفال بالعيد مختلفاً لدرجة أن كل أطفال تلك الفترة ما زالوا يذكرون تفاصيله كأنه حدث بالأمس.
أذكر أن المنطقة الممتدة من الفندق الكبير حتى المقرن كانت معرضاً للزهور على طول شاطئ النيل الأزرق، وكانت كل أيام العيد عبارة عن احتفالات متصلة يعلن عنها مسبقاً وتغلق خلالها حدائق المقرن والحيوان ولا يدخلها إلا الأطفال مصحوبين بعائلاتهم. كنا نسير من حديثة الحيوان حتى المقرن دون أن نحس بالتعب لأن كل هذه المساحة مغطاة بكل أنواع الزهور والورود.. ولم تكن هناك مساحة جرداء فالبساط الأخضر يغطي كل شبر، وكانت رائحة زهور الياسمين تسكرنا ونحن نسير على شاطئ النيل نتمنى أن يطول الطريق.
لم يكن ذهابنا إلى المقرن دون هدف، فقد كانت الحكومة تعد برنامجاً ترفيهياً يشارك فيه كبار الفنانين في الإذاعة الذين نسمع أصواتهم ولا نراهم.. كانت هي الفرصة الوحيدة لنشاهد “إبراهيم عوض” فنان الشباب و”عثمان حسين” و”سيد خليفة” تدفع لهم الحكومة أجورهم مقابل الغناء للأطفال، وكانوا لا يتأخرون ولا يتغيبون لأي سبب.. هذا الحفل كان يقام نهاراً في ظل خيمة كبيرة جداً، ولم تكن هناك حاجة لإضاءة.. وكانت كل الوجبات جاهزة بأسعار رخيصة في متناول كل الأطفال خاصة وأمثالنا نحن أبناء الأحياء الشعبية.. في ذلك اليوم نتساوى مع أبناء الأحياء الراقية في الفرح بالعيد والاستمتاع به.
وكانت الفترة المسائية تشهد حفلات أخرى في الأحياء على مسارح أعدت مسبقاً، وأيضاً كان كبار الفنانين يغنون فيها.. أما السينما فقد كانت هي المكان الوحيد الذي لا يمنعنا كبارنا من دخوله في ذلك اليوم.. وكانت دور السينما تقدم خلال أيام العيد الثلاثة الأفلام الكوميدية لأنها تلائم الأطفال.. وكانت أيام العيد فرصة لنا لنرجع إلى منازلنا بعد التاسعة دون علقة، فالجميع يحرص على توزيع الفرح.
كان السير في الشوارع نفسه متعة لنا، فقد كانت الشوارع قد بدأت مشروع التحديث وصارت أنيقة تنتشر فيها الحدائق والأشجار، وكانت الفترة المسائية تشهد حفلاً غنائياً يستمر حتى ساعات الصباح الأولى، ولا زلت أذكر أني الوحيد من بين أقراني الذي شاهد الفنان “محمد وردي” يغني على المسرح كمكافأة على نجاحي في الامتحان للانتقال من الصف الثالث إلى الرابع، ولا زلت أذكر مباراة الهلال والموردة التي انتهت بفوز الموردة (2/1) وتم قذف زجاج المشروبات من قبل جمهور الهلال الغاضب على النتيجة.. ليتنا عدنا أو عادت الأيام!!
} سؤال غير خبيث
كان الناس في أوائل الستينيات سعداء لأن الخرطوم خضراء وبها زهور؟ أم لأن المواصلات سهلة؟ أم لأن الحياة رخيصة أم للأسباب الثلاثة؟!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية