رأي

إصلاح (الوطني) الطريق نحو إصلاح الوطن

ليس غريباً أن تلتقي الرؤى الحزبية المختلفة حول مائدة الوطن الواحد.. فالأحزاب في الأساس ما هي إلا منابر مختلفة تلاقت حول رؤية واحدة، هي وحدة وترابط وتقدم وأمن تراب هذا الوطن، كألوان العلم الواحد.. ومن يشذ عن هذا الفهم أو يخرج عن طوقه فإنه عدو متربص بوطننا ريب المنون، وهذا واجب علينا محاربته.. أما من تولى أمرنا وحاد عن ركبنا فواجبه نحونا أن يعترف في المقام الأول بأخطائه، وحقه علينا أن ننبهه إليها وأن يشرع في تصحيحها سريعاً ما دام قائماً على تولي أمرنا.
وعليه، ليس غريباً، بل إنه من أوجب واجباتنا الوطنية الخالصة اليوم تحديداً أن لا تنغلق أفكارنا ورؤانا الوطنية داخل منابرنا السياسية وتحت أي عذر، حتى وإن كان عذر البعض أنه ليس مع هذه الحكومة، أو أنها ليست شرعية، أو أنه يجب عليها أن ترحل، أو خوفاً من أن يفقد منصبه المعين أو أي عذر.. فالأهم من كل هذا وذاك هو أن السودان يمر بظرف دقيق حرج مليء بسلسلة من الاتهامات والترصد الخارجي، إضافة إلى جملة القرارات الداخلية غير المدروسة، وكل هذه العوامل مجتمعة كان نتاجها المزيد من إرهاق هذا المواطن الذي أضحى يتوسد الأرض التي بترت من أطرافها، ويلتحف السماء التي كانت أرفق به من القائمين على إدارة شؤون أرضه! فكيف السبيل للخروج من هذا النفق المظلم؟ وما أراه الآن هو أننا لابد لنا أن نجد لهذا البلد مخرجاً قبيل أن يتكالب علينا المرجفون من بني صهيون ويقتسمون رحيقنا ويتركون مصاص خيرنا يتخطفه أبناؤنا.. نحن لم نأل جهداً ولم يغمض لنا جفن في البحث عن الكيفية المناسبة للحفاظ على ما تبقى من هذا البلد معافى لأجيالنا عسى أن يكونوا أوفر حظاً في رتق ما فتق.. ولا ينبغي أن يكون في هذا المقام الغرض ترجيح كفة أي حزب على الآخر أو بترها، ولا يجوز حتى، بل على العكس تماماً، ينبغي أن يكون البعد وطنياً خالصاً بأن تنصهر كل الرؤى والأفكار بلا تحديد أو تمييز، وذلك من أجل إعلاء راية الوحدة الوطنية، ويجب علينا أن نضع أيدينا فوق كل يد تعلي من شأنها.. وأن نضع أيدينا فوق كل يد مصلحة تبني وتعمر.. وأن نضع أيدينا وبقوة فوق كل يد تقود أية مبادرة في المقام الأول تحمل فكراً إصلاحياً ذا بعد وطني ينجي هذا البلد من المهالك، وسنجد أن (يد الله) فوق أيدينا، فهذه (كبيعة الشجرة) وأن نقطع يد الخيانة والأيدي الهدامة التي تتحالف على شتات وحدتنا.. وعليه لا نجد ولا نشعر بالغرابة في أن نؤيد ونبارك خطوة أخوتنا إصلاحيي حزب المؤتمر الوطني رغم اختلافنا الواضح مع الحزب الحاكم حول الكثير من ممارساته وأخطائه السياسية، التي نوقن بأنها فعلاً أفسدت مستقبل هذا البلد وتعارضت في كثير من المواقف الموثقة مع بعض ثوابتنا الوطنية، ونرى أنه قد آن أوان التصدي لمشروع الأمس، وهو اتفاقية (نيفاشا) التي قسمت السودان إلى شمال وجنوب وستظل تلقي بظلالها القاتمة على بقية السودان، إلى أن يصير دويلات كما هو مبشر به في بعض الأسفار المتآمرة.. وما يجري اليوم في استفتاء أبيي أحادي الطرف، الذي رأيي فيه أنه ما هو إلا وليد غير شرعي لاتفاقية الأمس، ما سيؤدي بالتأكيد إلى انقسام أميبي جديد للوطن، مما لا تحمد عقباه إن لم نحذر.
سادتي هذا ليس مجالاً للمجاملة أو الغزل السياسي أو حتى مقامهما، فهؤلاء الذين يحملون راية الإصلاح في المؤتمر الوطني هم من سيتحملون عبء أخطاء السياسة التي أحدثها الحزب الحاكم وتصحيحها، ونحن من أجل الوطن من سيشارك معهم في ذلك، لأن من مبادئنا كيفية حكم السودان وليس من يحكمه، وهذا هو أوان تطبيق الكيفية الصحيحة لحكم البلاد إن كانت هنالك (شراكة إستراتيجية بحق بين الحزبين)، وأظن أن هذا هو مقامها وليس اقتسام المناصب، وهذه المبادرة تعدّ في نظري الأجرأ والأشجع والأصلح والتي ستقود البلاد مع الأحزاب الأخرى إلى بر السلامة.. وذلك يبدو جلياً لكل من يؤمن إيماناً راسخاً بأهمية الوحدة الوطنية في المقام الأول وضرورة الإصلاح كرصيد إستراتيجي لفكرة الثورة، لأن التغيير بالفوضى بالتأكيد سيعيدنا مرة أخرى للمربع الأول، بل وأدنى من ذلك في قائمة التخلف الدولي.. إذن الإصلاح الوطني الشامل هو البديل الأمثل عن سلسلة ما تسمى بـ(ثورات الربيع العربي) التي لم تجلب لأهلها سوى المزيد من الخراب إن أمعنا النظر، وأجد أنه من الأمانة بمكان أن نعلن كاتحاديين، ولا أقصد قادة الأحزاب الاتحادية الذين ساهموا في شتاتها، بل أعني كل القواعد الاتحادية العريضة، فهؤلاء هم غالبية أهل السودان، وذلك بأن نعلن تضامننا الواضح الصريح مع كل الخطوات الإصلاحية وفي كل الأحزاب المختلفة بدءاً من إصلاحيي الاتحادي والأمة والمؤتمر الوطني والشعبي وأحزاب اليسار واليمين، وكل من يرى أن الإصلاح هو البديل الأمثل والأسلم كتعبير عن الثورة المتحضرة البناءة.
إنني بشخصي وانتمائي الوسط مبدأ وفكرة، تجدني مؤيدة كل الذي أقدم عليه هؤلاء النفر الكريم من منبرهم الوطني، وحجتي أنه قد تلاقت في هذا المقام الرفيع الرؤى الوطنية، وتفاعلت وانصهرت.. وكما قد كان بالأمس الراحل “الشريف زين العابدين الهندي” مباركاً ومؤيداً لحزب المؤتمر الوطني نزولاً عند المصلحة الوطنية العليا، ومتجاوزاً لحزبه عبر مبادرته الشعبية الشاملة وقولته الشهيرة (فليكن مؤتمراً وطنياً)، أقول ومن ذات البعد.. فلتكن ثورة للإصلاح الوطني الشامل.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية