شركة الأسواق الحرة.. لغز إقصاء المدير العام «الفاتح عوض»!!
اللوحة الميلودرامية على باحة الشركة السودانية للمناطق والأسواق الحرة تجسد الآن حدثاً غريباً يعانق الخيال أكثر من الواقع، يحمل دلالات مدهشة ومؤلمة تتراءى أمام الناظر كطيف شاحب يعزف أوركسترا المواويل الحزينة!
بطل القصة الأستاذ “الفاتح عوض عبد الله” المدير العام السابق للشركة السودانية للأسواق الحرة، الذي نال (جزاء سنمار) من الإدارة الحالية للشركة بعد الإنجازات الهائلة والطفرات المحسوسة التي تحققت على يديه عبر مشواره في قيادة مؤسسة الأسواق الحرة!!
الظلم عندما يطبق على النجاحات الباهرة تصبح آثاره منقوشة على الأعصاب والأحاسيس، والإقصاء عندما يصير مكافأة تندلق على إنجازات الأيادي الخضراء فإنه يتأطر في حسابات اليوم الموعود، وبذات القدر فإن جرح أصحاب الصلات القديمة والمعرفة اللصيقة ينزف حتى الموت.
تكمن مزايا وأعمال الأستاذ “الفاتح عوض” في قيادته للشركة السودانية للمناطق الحرة في الكم الهائل من التألق المشهود في دفتر التاريخ المعاصر.. هنالك ملحمة الثمار الذكية على صعيد الدورة الثلاثين لمعرض الخرطوم الدولي، التي فتحت كبسولات التلاقي بين السودان ودول العالم، فضلاً عن قيامه بتوسيع المواعين الاستثمارية والتجارية على النطاق الداخلي والخارجي، وظهور التقدم المحسوس في مجالات البيزنس والمناطق الحرة، ومحاولة الانطلاق إلى عالم العصر الحديث عن طريق الدراسات العميقة والأفكار الموحية والعزائم الأكيدة في إطار خدمة الاقتصاد الوطني، وفي الذهن دوره الواضح على صعيد المعالجات الإدارية المدروسة في هياكل الأسواق الحرة.
في اللوحة المقطعية، لم يكن طوفان النجاحات والإنجازات من جانب “الفاتح عوض” حافزاً قوياً لبقائه في موقعه، وترياقاً مضاداً من وقوع الإضرار والإقصاء من مقعده! هكذا دخل الرجل في فضاءات المربعات السحرية والدهاليز العصيبة، حيث انداحت المشاكل وتقاطع الآراء بينه وبين مجلس إدارة الشركة على خلفية التدخل الواضح في صميم صلاحياته الموجودة في اللائحة، حتى فوجئ بقرار من الأستاذ “يوسف عبد الله” وكيل وزارة المالية ورئيس مجلس الإدارة بتغيير سريان العقد المبرم معه من ثلاث سنوات إلى سنة واحدة.. رويداً رويداً صار وضع الأستاذ “الفاتح” في منتهى الغرابة بعد انتهاء فترة العقد المحددة بعام واحد، وقد كانت ثالثة الأثافي عندما صدر قرار بتعيينه مديراً عاماً مكلفاً لمدة ثلاثة أشهر في خطوة استغناء ملفوفة على ورق الحرير، وقرار إقصاء يرقد على أرائك الخجل!!
من الناحية الواقعية لم يتحمل “الفاتح عوض” ذلك المنهج القاسي الذي يطعن في الكرامة الإنسانية ولا يوقر أدبيات التكاليف العامة، وكان من الطبيعي والمنطقي قيامه بالتنحي من موقعه وإسدال الستار على علاقته الإدارية والتنفيذية بالشركة السودانية للمناطق والأسواق الحرة.. وفي المشهد السيريالي، تفاكر “الفاتح” مع الأستاذ “مجدي حسن يس” القيادي بالاتحادي المسجل ووزير الدولة بالمالية حول قضيته، وربما يكون الوزير متعاطفاً ومتفهماً لوضعه، غير أنه لم يكن من صناع التدابير في الحكومة!!
مهما يكن، فإن هنالك لغزاً محيراً في عملية إقصاء المدير العام “الفاتح عوض” من موقعه وإجباره على تقديم استقالته من المؤسسة التي أعطاها الخلاصة من عرقه وألقه.. والسؤال المركزي: لماذا تم إبعاده بتلك الصورة الهزازة؟ هل الدوافع مبنية على منطق التمكين السياسي لرجالات الحزب الحاكم في إدارة المؤسسات المهمة؟ أم أن هنالك أطماعاً ذاتية من بعض الدوائر الخاصة في السلطة للزحف على المواقع الإستراتيجية؟ فالشاهد أن عهد التمكين قد انتهى بناءً على إشارات قاطعة من السيد رئيس الجمهورية جاءت في أكثر من مناسبة جماهيرية.
وبمقدار ما يشكل الظلم موقفاً سالباً في الحسابات النفسية والوجدانية، فإنه بذات القدر يقف عائقاً قوياً في تطور المؤسسات إلى الأمام، فلا يمكن أن يقبل العالم الخارجي الذي صار يتذوق طعم الليبرالية والانفتاح التعامل مع السياسات والمناهج القائمة على الإقصاء والانغلاق ومحاربة الإبداع.
المحصلة، أن القوة المغنطيسية تشد العقل الذكي إلى التفكير والإبحار العميق حول مغزى وأسباب مكافأة النجاحات بمعول التكسير.. فهل هي حلقات مدروسة أم خبط عشواء؟!