مأزق أبيي
} لا قيمة للاستفتاء من طرف واحد، الذي أقامته قيادات دينكا نوك لاستتباع منطقة أبيي لدولة الجنوب، في ظل موقف معلن من الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن الدولي برفض أي استفتاء من طرف واحد. وعلى طريقة ومنهج دينكا نوك أخذ المسيرية وبعض من دينكا نوك على عاتقهم إقامة استفتاء الشهر القادم. كلا الاستفتاءَيْن نتائجهما معلومة بالضرورة، (99.9%) من الناخبين يصوتون لصالح ذهاب أبيي لدولة الجنوب وذات النسبة ستصوت لتبقى أبيي في الشمال، بالنسبة لدينكا نوك والمسيرية بالتتابع.
} وكلا الاستفتاءَيْن بمثابة تمرين خاص داخل أسوار المنزل لن يجد اعترافاً من أحد ويهدر أموالاً طائلة بلا جدوى. ورغم أن استفتاء دينكا نوك تم تمويله من منظمات غربية ناشطة في ملف المنطقة ومن أموال اختلست من خزانة دولة الجنوب، إلا أن استفتاء المسيرية لن يجد منظمة واحدة تدعمه، وحتى المنظمات العربية والإسلامية تقف بعيداً عن السودان في الوقت الراهن، بينما قد ينفق المسيرية من أموالهم الخاصة وحكومة غرب كردفان من أجل استفتاء لا قيمة له، إلا إذا كانوا (يمرنون) أنفسهم على عمليات التسجيل وكيفية التصويت لما قد يأتي في قادم المواعيد.
} قضية أبيي أخذت في الأيام الأخيرة منحى تصاعدياً مغايراً لمسارات التطبيع للعلاقة بين دولتي السودان وجنوب السودان.. والشاهد على ما نقول البيان حاد اللهجة الذي صدر من مجلس الأمن والسلم الأفريقي بعد إعلان الحكومة إرجاء زيارة أعضاء من المجلس لمنطقة أبيي تزامناً مع بدء استفتاء الدينكا.. وبيان مجلس الأمن حدد السادس والسابع من نوفمبر موعداً للزيارة الجديدة.. الخارجية السودانية رفضت التاريخ المحدد وذلك لأسباب ودواعٍ أمنية، حيث ثبت عجز قوات (اليونسيفا) عن بسط الأمن في أبيي، ومقتل ناظر الدينكا “كوال دينق مجوك” بمثابة شاهد على عجز القوات الإثيوبية ذات القبعات الأممية، ولكن إثبات عجز القوات الإثيوبية يمهد الطريق لدخول قوات متعددة الجنسيات، وذلك ما يشكل خطراً على مستقبل المنطقة.
} ليس من الحكمة نشوب أزمة بين السودان ومجلس الأمن والسلم الأفريقي الذي ساند السودان في قضية المحكمة الجنائية الدولية وفتح المعابر للرئيس “البشير” لزيارة الدول الأفريقية وعدم الاعتراف بالمحكمة.. وتمسك مجلس الأمن والسلم الأفريقي بالحل الأفريقي لقضايا النزاع الداخلي في السودان وأجهض كثيراً من المخططات التي كانت تستهدف الحكومة السودانية، وحتى موقفه من قضية أبيي يمثل قيمة مضافة لجهود الحل الأفريقي، وأي تصعيد من السودان مع مجلس السلم والأمن الأفريقي يفقده الكثير ويضعه في مواجهة مع مجلس الأمن الدولي، وقد تقمص مجلس السلم الأفريقي شخصية الوكيل لمجلس الأمن الدولي.
} النفق الذي ولجت فيه قضية أبيي يصعب الخروج منه إلا بقرارات كبيرة وتنازلات يقدمها “البشير” و”سلفاكير” معاً، وإشراك أهل الشأن، أي مجتمعات المسيرية ودينكا نوك، في الحل النهائي.. وبدا واضحاً أن منهج “الخير الفهيم المكي” الرئيس المشترك من جهة السودان لآلية أبيي قد أثمر حتى الآن تجنب المواجهة والحفاظ على (شعرة معاوية) مع دينكا نوك في الطرف الآخر، واستقطاب قيادات وقواعد من الدينكا لصالح شمالية أبيي، وذلك ما فشل فيه “دينق ألور” و”إدوارد لينو” باستقطاب مسيرية لصالح جنوبية أبيي.. ومنهج آلية “الخير” قد يصبح ثقباً ليمر من خلاله قطار الحل.