رأي

سينــــــــاريــو الـخــــــروف

زمان وأنا تلميذ صغير في المرحلة المتوسطة كتبت قصيدة أدهشت زملائي عن العيد.. أذكر منها أبيات:
فرحت بجلباب العيد .. وضعته تحت وسادتي.. ونمت وفي عيني صباح العيد.. واليوم وأنا في شرخ شبابي، أتساءل ما طعم العيد؟ والحيرة تنهش أعصابي لا أدري ما كنه العيد!! لا أعرف ماذا أريد؟! والقصيدة طويلة تذكرتها وعيد الأضحى على الأبواب، وخروف العيد بالطبع هو الشخصية الرئيسية في هذه الأيام إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً!! وكثير من الأسر التي لن تتمكن من ذبح خروف الفداء مهمومة لا تدري كيف تقنع أطفالها بالأسباب التي جعلت رب الأسرة يحجم عن شراء الخروف!! أحد زملائي الكتاب الظرفاء اقترح اقتراحاً معقولاً.. قال يشتري كم كيلو لحم ضان وعفشة خروف وقليل من دم “يتحصل عليه من المسلخ، الدم وعفشة الخروف” والتكلفة المالية لن تبلغ الأربعمائة جنيه..هذا بالإضافة إلى جلد خروف وأربعة أظلاف خروف على أن يحضر تلك الأشياء في ساعة متأخرة بعد أن ينام الأطفال وأن يتم كل ذلك بعلم أم الأولاد وتنفيذ هذا السيناريو قبيل شروق شمس عيد الأضحى كالآتي: يربط حبل ملطخ بي شوية دم بباب الشارع ويسكب ومعاهو شوية روث الخروف.. وجهز صينية كبيرة ينثر فيها الكم كيلو وفك البيرق لصلاة العيد وحينما يصحوا الجماعة يكونوا وجهاً أمام خروف العيد .. سيناريو ما يخرش مية حتى على الجيران والأقارب..وسيناريو آخر من بنات أفكاري لمن هم في ظروفي “قرد وحابس” القرد طبعاً أنا العبد لله والحابس هي السيدة حرمنا المصون الحاجة “ندوية” التي نظمت لها أغنية شهيرة شدا بها الفنان الكبير ملك الأغنية الشعبية المرحوم “محمد أحمد عوض”، وبعد وفاته تغنَّى بها الفنانان ثنائي الدبيبة، وفي النص اسم زوجتي، واسم كوثر حرم أحد الثنائي الصديق “عبد الله يوسف” شفاه الله.. جزء من النص (رفيقة الدرب الطويل، من قلبي ديمة بقدرك، أبداً ..مؤكد.. مستحيل في يوم أسيبك أبدلك..”كوثر” من “الندى” والسماح فياض وزاخر بالأمل.. يا بلسم الطيب للجراح بي لمستك طاب واندمل.. الخ نص الأغنية.. نعود لسيناريو الخروف يتم تسجيل صوت خروف محترم في شريط كاست أو قرص مدمج على أن يكون صوت الخروف من عائلة صوت “الباص” الصوت الغليظ زي صوت الفنان الزنجي “آيزك هيث” بعدين تشغل التسجيل بأعلى صوت وتقرب المسجل على حيطة الجيران في وقت متأخر والصباح بعد الصلاة قسم كيمان لحمة ضان كم كيلو على الجيران تكون مجهز كم كيلو.. ها!! مش حل؟! طبعاً العبد لله “نباتي” منذ الطفولة.. لم أمضغ شية جمر أو فراخ مشوي باختصار كل أنواع اللحوم والحمد لله..
فمن لطف الله وكرمه أنني أصبحت نباتياً بسبب “عين حارة” أصابتني في مقتل في الصباح الذي فاضت فيه روح والدي، له الرحمة والمغفرة، فالشاهد أنني كنت ممسكاً بضنب خروف كان راتباً من عمي “شقورة” جارنا كان جزاراً بمدينة الدويم – يرحمه الله – مخصوص كان يبرني بالضنب مع لحمة البيت، وكنتُ – كما روت لي المرحومة والدتي دار السلام- أداوم على قرض ذلك الضنب الصباحية لزوم التسنين.. المهم إحدى المعزيات قالت لرفيقتها “الشافع ماسك الضنب زي الفيل الصغير!!” صخرت صرخة مدوية ومن يومها أعاف اللحم.. لكن الضحية أمر لابد منه للمستطيع إليه سبيلاً شأنه شأن الحج، يعني الكلام لزملائي وزميلاتي بصحيفة (المجهر) إذ لا تثريب علينا جميعاً إذا لم يُضحِّ أحدنا أو إحدانا، وما تمشوا تعملوا فالحين وشطار تشيلو حق الخروف خصماً على المرتب، إذ لا زلتم توفون بدين حاجات رمضان والراتب الشهري ممحوق.. مش؟! خلو أيام العيد تمضي في سلام، ولو السيد رئيس مجلس الإدارة ذبح ضحية فليولمنا رابع يوم بمكاتب الجريدة، وأقترح عمل فتة بالتوم بلحمها المحمر والرز المفلفل، وأنا أحب الفتة ونصيبي من اللحم أهديه إلى صديقي الأستاذ “وائل”!!
طبعاً أكرمني الله بحج البيت وحرمي المصون وذبحنا هدْينا، وعلمت يومها أمراً جميلاً هو أن معظم الأضاحي تذهب هدي وكرامة وصدقة للدول المسلمة الفقيرة وأهل السودان الذين يصدرون أفخر خراف العالم لا يستطيع معظمهم الآن ذبح الهدي، والله أيام يا زمان! وعلى رأي أم كلثوم ” وعايزنا نرجع زي زمان، قول للزمان أرجع يا زمان!!” إذ إن أهل السودان قبل عقود من الزمان كانوا يرسلون هديهم إلى الدول المسلمة الفقيرة. وبالمناسبة أنا والله العظيم متفائل جداً وبإذن الله وليس ذلك على الله بعسير سيغير أهل السودان ما بأنفسهم وينهضون من كبوتهم بوحدة الصف والمصير، وبإذنه تعالى يعود السودان إلى سيرته القديمة، وجنيهنا المتواضع نشتري به عشرة دولارات، خاصة وبلدنا دي والله فيها الخير كتير، وما مستحيل تبقالنا جنة لو نحن وحدنا الهدف، لو نحن وحدنا المصير.. ونخلي بالنا للمدارس وللتلاميذ، ونحب بلدنا حباً حقيقياً نابعاً من النيلين والأرض البكر البراح المحتاجة لي عرق السواعد ومشروع الجزيرة ينصلح حالو إذ إن بنياته الأساسية لا زالت بخير فقط شوية همة وإصلاح لأعطاب ماكينات الري وشوية ماكينات تسهل للمزارعين الزراعة.. وبمناسبة الزراعة، الطماطم والبصل والجرجير والعجوز رخصت الأسعار وهنالك كم معصرة لزيت السمسم بحي العرب تنتج زيت الولد.. بعدين يا أهل.. تحت.. تحت قالوا “أوباما” مسلم!! لو الكلام ده صحيح، ما واجبة الضحية عليهو السنة دي؟، فالأخبار جاءت تقول إن أكبر دولة منيت بالكساد المالي.. و”أوباما” ذاتو ما حيصرف مرتب أكتوبر.. وخصخصة شديدة تشهدها كبريات مؤسسات الدولة العظمى!! اللهم لا شماتة!! وعيييك!!”ناسا” و”البانتقون” و”السي آي أيه” وحاجات تانية حامياني والمكر السيئ يحيق بأهله.. طبعاً أنا ما قاصد المواطن الأمريكي البسيط، أنا قاصد من هم في سدة الحكم أصحاب القرار المدورين دول العالم بالريموت كنترول، ومولعين النيران في العالم العربي الإسلامي.. وتحت.. تحت.. الدولة العظمى هي السبب في تعطيل حقنا من قروض دولية، وهي وراء ما يحاك في مجلس الأمن والحصار المضروب علينا وحاجات تانية كتيرة بعيرفوها دهاقنة السياسة الدولية عندنا، لكن الله أكبر ولله الحمد، نحن ناس حضارة وثقافة وذوق وأخلاق حميدة، وبنحب النبي صلى الله عليه وسلم وصحابتو وصلايين ومتراحمين .. أسال العلي القدير أن يلم شمل أهل السودان، ويوحد كلمتهم وتسكت البندقية للأبد، (يا بلدي يا حبوب أبو جلابية وتوب وسروال ومركوب) على رأي المرحوم “حاردلو”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية