الدبلوماسي القروي الحفيان الناجح..!
السفير “بريدو” الذي بدأ مسيرته الدبلوماسية مع من أسسوا لها بعد السودنة والاستقلال من رموز كان لها وزنها، ثم مشى على الطريق حتى أصبح مكان إشادة وتقدير منهم وترفيع، لم ينس أن يذكر في كتابه (قروي في بلاط الدبلوماسية) تاريخه ونشأته القروية في (سنجة عبد الله) ذات التاريخ العريق والعرقيات المتنوعة. فهو بعد وفاة والده وهو في المدرسة الأولية رغم كرم ووفاء والدته، كان يعمل و(يداقش) في الزراعة والرعي وبيع الألبان وغير ذلك ليغطي مصاريفه، ويذهب أبعد من ذلك ليشتري عدداً من الأغنام والضأن.
وهو طُموح وتطلع مشروع انتهى به إلى مجال الدبلوماسية التي أعطاها حقها وهو طالب في جامعة الخرطوم وسكرتير لاتحاد الطلاب، وسياسي منافح، حيث اعتُقل وسُجن بعد مذكرة الاتحاد للسلطة بتاريخ 28 نوفمبر 1961م تحت ثوب وغطاء التيار الإسلامي، الأمر الذي لم تعترض عليه والدته “فاطمة مقدم” بل أشادت به، وهي حفيدة من مزَّق مذكرة “سلاطين باشا” لصديقه “عثمان” يحذره فيها من قدوم حملة “كتشنر” للخرطوم والقصة مثيرة وخطيرة.
كبار الدبلوماسيين الذين عمل معهم وتحتهم أشادوا به وتنبأوا له بالنجاح في عمله الدبلوماسي. بل قال الدكتور “بشير البكري” في مقدمته للكتاب، وهو دبلوماسي مؤسس ومشهور في الداخل والخارج إن “عمر بريدو” كانت “جنيف” التي لعب فيها دور الدبلوماسية الإنسانية (زوجته الأولى)، وكانت “نيويورك” التي لعب فيها دور الدبلوماسية الفاعلة (زوجته الثانية..!)، فقد استطاع “بريدو” الجمع بينهما، وهو أمر – فيما يبدو – صعباً للغاية، ولكنها الحكمة والخبرة التي أهلته لذلك.
إنَّ ما قيل عن القروي الدبلوماسي ممن عرفوه كثيرٌ، وهو يستحقه، ولكننا نأتي في هذه السانحة إلى كتابه (قروي في بلاط الدبلوماسية) الذي سعدنا بمطالعته، وأضاف لنا الكثير.. لأنه وثيقة تاريخية، اجتماعية وسياسية ودبلوماسية وإنسانية، ذكر فيها الكثير الذي سيظل ويبقى في الذاكرة، لما اشتمل عليه من حقائق ووقائع وذكريات ومواقف وطنية وعالمية، كان القروي الدبلوماسي شاهداً عليها وله فيها دورٌ – حفظه الله.
على أن ما يستحق الإشارة ولا يجوز تجاوزه في هذا الخصوص، أنَّ هذا الرصيد الكبير من العمل الدبلوماسي والحظوة السياسية لم يجعله يتطلع إلى الوزارة أو الإمارة في عهد الإنقاذ الوطني، إذ عندما عُرضت عليه وزارة الخارجية وهو وكيل الوزارة يومئذ، اعتذر عنها ورشح لها السفير “علي سحلول” الذي حمل حقيبتها بالفعل – رحمه الله.
أخونا السفير “عمر بريدو” الذي كان أول دفعته وهو طالب في السنة الثالثة الأولية، وقد درجت المدرسة على توزيع الجوائز للتلاميذ الأوائل في عيد للمدرسة يحضره الآباء وأعيان المدينة، ذكر أنه لم يكن لديه يومها حذاء يمشي عليه لاستلام الشهادة التقديرية، فلم يكن منه إلا أن استلف من أخيه الأكبر حذاءه.. الذي كان أكبر من رجليه، فتعثر عليه حتى وصل وتسلم الجائزة.. فالسفير “عمر بريدو” – والأمر كذلك – ليس بـ(قروي في بلاط الدبلوماسية) فحسب، وإنما قروي (حفيان..!) صعد على سلم الدبلوماسية.!
فشكراً له على ما أتحف به القراء والباحثين وذوي التخصص الدبلوماسي والسياسي والاجتماعي من معلومات؛ لأن الكتاب ذاكرة يُحتفى بها أسلوباً وحقائق ووقائع.