أخبار

عشرة أحزاب لا تكفي..!!

وزير الدولة للداخلية، رئيس حزب الأمة المتحد قال في حوار أجرته معه صحيفة (التغيير) إنه تقدم بمقترح لسن قانون يقلص الأحزاب السياسية لعشرة فقط.. البعض قد يقول لماذا عشرة وليس (حداشر) أو(خمسطاشر).. لا يهم إلى كم يمكن أن تتقلص الأحزاب، لكن هذه الدعوة المثالية إلى حدٍ كبير تذكرنا بالدعوة السابقة المتصلة بدمج الصحف في ظل الظروف الصعبة التي تعترضها، وكيف أن الدعوة قوبلت برفض من قبل أكثر الناشرين.. الآن الأحزاب سترفض هذا القانون لو قدر له أن يصدر، وتعدّ الخطوة نوعاً من التضييق على الحريات ومحاولة تكبير كوم أحزاب (الصندل) وتذويب أحزاب (الطرور) كما صنفها الإمام “الصادق المهدي”!
“بابكر دقنة” وزير الدولة للداخلية ورئيس حزب الأمة المتحد، قال أيضاً إنه سيكون أول المبادرين بدمج حزبه في حال تم الاتفاق على القانون الجديد.. وأكد أيضاً أن كل السبل فشلت في توحيد الأحزاب ومنع تشظيها وتشرذمها، وهذا القانون الجديد سيحول دون حدوث المزيد من التمزيق للأحزاب، علاوة على أنه سيحد من ازديادها، لأن هناك شروطاً محددة ستضبط مسألة إنشاء أي حزب جديد، في مقدمتها أن لا يقل عدد العضوية عن خمسين ألفاً بعد أن كان من قبل يكفي توقيع خمسمائة فقط لإنشاء حزب جديد!
وبعيداً عن تصورات السيد الوزير ورئيس الحزب، التي تنسجم بجلاء مع الانطباع السائد الآن بأن الأحزاب في الموالاة والمعارضة تمر بأسوأ مراحلها، وفشلت بامتياز في القيام بالأدوار التي كان يتوجب أن تتصدى لها، فإن المعضلة الحقيقية تكمن في أن (الكيد السياسي) و(المرارات الشخصية) و(تصفية الحسابات) كلها ستفسد أي مناخات تحمل مثل هذه الأطروحات.. فإذا كانت الحياة السياسية السودانية لم تنجح حتى الآن في تسمية مظلة واحدة للموالاة وأخرى للمعارضة، فكيف تتسنى لها تجزئة هذه المكونات الأساسية إلى عشرة أحزاب مثلاً كل منها متفق على الأقل حول الثوابت الفكرية والبرامج السياسية؟ وقبل ذلك كيف نضمن عدم الخلاف حول القيادات التي يمكن أن تترأسها؟!
القضية معقدة وشائكة، وهذا القانون المقترح مرشح له عدم قدرته على مواجهة أسئلة الواقع السياسي الصعبة، وبالتالي فالممكن وليس المستحيل هو أن تتهيأ مناخات مواتية لانتخابات حرة وشفافة ونزيهة تحتكم فيها الأحزاب إلى صناديق الاقتراع، التي بدورها يمكن أن تفرز واقعاً حزبياً جديداً جدياً، على مقولة (فلندع كل الورود تتفتح ومن بعد ذلك تحيا من لها مقومات الحياة وتموت تدريجياً من تفتقد تلك المقومات).
لا أحد ينكر على الإطلاق أن هناك استسهالاً رافق العمل الحزبي في السودان، وأن التقنين مطلوب حتى لا تصبح هذه الأحزاب مجرد لافتات مرفوعة دون وجود مضامين حقيقية بداخلها.. لكن في المقابل، فإن هذه الخطوة ربما جاءت متأخرة يصعب معها العودة إلى الوراء، لأن ذلك سيفسر كردة على الحريات الممكنة والانقلاب على موروث ضخم بكل سلبياته وإيجابياته، لذلك فالتكريس لثقافة سياسية جديدة يحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد، وهو أمر في ظل المستجدات العديدة التي طرأت يمكن أن يتشكل تدريجياً دون تدخل قانوني ملزم.
أمريكا ودول الغرب يحتكم معظمها إلى حزبين كبيرين في الغالب، وهي تجربة على مثاليتها لا تخلو من إشكاليات، لكنها نجحت على الأقل في قطع الطريق أمام الكثير من الممارسات الحزبية السالبة والمغلوطة، ولكي نحتكم إلى ذات المنطق الحزبي في تلك الدول نحتاج في الواقع إلى ثورة حقيقية في طرائق التفكير، وإلى ثورة موازية في المناخات التي يمكن أن تتأسس فيها، وقبل ذلك يبدو أننا سننتظر حتى إشعار آخر تتغير فيه الوجوه النمطية التي ظلت تقبض على مفاصل الحياة الحزبية بكل تعقيداتها وتشوهاتها.. ما لم تتجدد الوجوه والدماء ستبقى أحزابنا السياسية على حالها البائس.. لن يتغير شيء على الإطلاق!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية