مولانا «محمد عثمان الميرغني».. هل يضرب على الحديد الساخن؟!
حكمة علماء الفيزياء تقول إن (الحديد لن يتمدد ويكون مطاوعاً للمرء في إطار الوصول إلى الشكل المطلوب إلا إذا ضرب وهو ساخن).. ومن هذه الفرضية العلمية جاءت البلاغة الإنسانية تؤكد بأن ضرب الحديد وهو ساخن يعني اغتنام الفرصة الذهبية لتحقيق الغايات المنشودة، فالحديد إذا صار بارداً وفاتراً لن يتشكل ويتمدد، وبذلك يعطي الصورة الصادقة عن البوار والإخفاق في محاولة تطويعه على الأوضاع المرجوة.
وقد يكون أبلغ تصوير حول أبعاد حكمة علماء الفيزياء يتمثل في موقف مولانا “محمد عثمان الميرغني” حول تعامله مع التوصية المفصلية التي رفعت إليه من الاجتماع التاريخي، الذي انتظم بجنينة السيد “علي” يوم الأربعاء الثاني من أكتوبر الجاري، التي طالبت عن طريق الإجماع بانسحاب الاتحادي الأصل من الحكومة الحالية.
كانت هنالك رؤية عميقة في دواخل مولانا بضرورة الخروج من قطار السلطة، تزداد كل يوم على شكل متوالية هندسية، فضلاً عن إشارات أبنائه سيما “جعفر الصادق” و”محمد الحسن” حول مبررات الانسحاب في ظل الإيقاع الحزبي المتواصل برفض التلاقي مع المؤتمر الوطني، علاوة على إفرازات نصائح الأصدقاء والقراءة الدقيقة عن جدوى ترك المشاركة في هذا التوقيت الماثل للعيان.
بناءً على تلك المعطيات، انكب مولانا على رسم سيناريو اجتماع جنينة السيد “علي” في الأسبوع المنصرم من خلال أجندة محددة تضمن الحصول على النتائج المرسومة، فكان قرار إرسال أسماء أعضاء الاجتماع التاريخي من لندن إلى مكتبه بالخرطوم وهم: الفريق “عبد الرحمن سعيد”، “بابكر عبد الرحمن”، “هاشم صالح”، “البخاري الجعلي”، “علي السيد”، “حاتم السر”، “طه علي البشير”، “محمد طاهر جيلاني”، “الخليفة عبد المجيد عبد الرحيم”، “إنعام حسن عبد الحفيظ”، “يس عمر حمزة”، “خضر فضل الله”، “الخليفة ميرغني بركات”، “محمد فائق”، “الزين العوض”، “على محجوب” و”حيدر قدور”، فضلاً عن دستوريي الحزب.
كان الاجتماع استثنائياً وخطيراً في تاريخ الاتحادي الأصل، تتزاحم في ثناياه اللحظات المليئة بالأمل والأشواق والمعركة الفاصلة بين أنصار المشاركة والرافضين للجلوس على قطار الحكومة.
الصورة كانت مشدودة، والدهشة أصابت الكثيرين عندما حسم الاجتماع مسألة الخروج من السلطة بالأغلبية الساحقة بعد نقاش مستفيض، فقد حاول أنصار المشاركة رسم خطة مضادة سرعان ما تهاوت أمام التيار الجارف في الضفة الأخرى، بيد أن “الخليفة عبد المجيد” خرج من الجلسة عندما شعر بوجود (الحصحاص في البليلة)، وقد جاءت توصية فض المشاركة برداً وسلاماً على قواعد الاتحادي الأصل، وانداحت إلى مولانا في عاصمة الضباب، حيث روعي أن تدخل في قوالب الكتمان، غير أن التوصية التاريخية وصلت إلى راعي الإبل في بادية الكبابيش، لأنها كانت تمثل عاصفة كاسحة في فضاءات مسترخية!!
كانت حيثيات توصية الخروج من الحكومة تقف على أرض صلبة تعانق المنطق والواقع، وتتلهف على أيام المجد والنشوى في حزب الوسط الكبير، وتحاول استرداد الكرامة الحزبية في الرمق الأخير.
في اللوحة المقطعية، يوجد الحبل الممدود بين البروفيسور “البخاري الجعلي”، والمحامي “بابكر عبد الرحمن”، والمهندس “هاشم صالح”، والدكتور “علي السيد”، والأستاذ “طه علي البشير”، والمحامي “حاتم السر”، والوزير “جعفر أحمد عبد الله”، فقد كان لهؤلاء الرموز دور متعاظم شكل رأس الرمح في وضع مصلحة الحزب على المستوى اللائق، انطلاقاً من الولاء الذكي لمولانا “محمد عثمان الميرغني”.
المحصلة.. كل العيون تتجه الآن نحو لندن.. ماذا يفعل مولانا بتوصية الخروج من الحكومة؟ هل يوقع في عاصمة الضباب؟ أم يصدر القرار بعد الرجوع إلى الخرطوم؟ هل يتأنى كثيراً أم يباغت المؤتمر الوطني بالقرار المنتظر؟!
أمام مولانا الخريطة الأخلاقية والسياسية والتاريخية للتعامل مع التوصية، التي لا تحتمل التأخير الكثير أو الاختباء وراء قناع من زئبق!!
ما زال الحديد ساخناً يتوق إلى إنفاذ الضربة من مولانا، في ظل تنامي طبول الفرح من منسوبي الاتحادي الأصل قبل أن تدخل عليه نفحات البرد والرطوبة، ويحدث الخسران المبين!! فهل يضرب مولانا على الحديد الساخن؟!