أخيره

بين يدي الذكرى الثانية لرحيله .. حوار الذكريات مع العندليب الأسمر

من الأصوات الجميلة والعذبة التي تجبرك أن تغني معها.. عاش مرهف الإحساس بعواطف جياشة.. عرفه زملاؤه مثقفاً من الدرجة الأولى.. ومجوداً في علمه.. له إنتاج غزير من الغناء الخالد.. اشتهر في حياته بتواضعه وعباراته الأنيقة والجميلة واللطيفة..
إنه العندليب الأسمر “زيدان إبراهيم” الذي مرت علينا الذكرى الثانية لرحيله المفجع.. وفي المساحة التالية نسترجع حوار الذكريات الذي كنا قد أجريناه معه.
} ماذا في البطاقة الشخصية؟
-“زيدان إبراهيم” من مواليد مدينة أم درمان حي الموردة 6/8/1943م.. بدأت تعليمي بمدرسة كادوقلي الشرقية الأولية، وأكملته بمدرسة بيت الأمانة الأولية، ثم حي العرب الوسطى، ومنها التحقت بالمدرسة الأهلية الثانوية العليا.. ولم أكملها لظروف خارجة عن إرادتي، ومن ثم درست الموسيقى مع الأستاذ “إسماعيل عبد المعين” والأستاذ “فاروق عثمان حسين”.. والتحقت بمعهد الموسيقى لمدة عام ولم أكمله لظروف صحية.
} إذا أعدناك لفترة الدراسة ما هي المواد المحببة لك؟
– الإنجليزي .. اللغة العربية.. الجغرافيا.
} كم كانت ترتيبك في الفصل؟
– منذ المرحلة الابتدائية كنت ضمن العشرة الأوائل، وفي المراحل الأخرى أيضاً كنت من المميزين.
} من الذي قال لك صوتك جميل؟
– الأسرة كانت بتقول علي وأنا صغير (مجنون غنا)، ويقال عن والدي إنه كان كلما وجدني أغني (طبلني) في الحمام!! وأذكر أنني كنت (أتمتم) وخنقت بمجموعة من المصارين، ولكن لم تفك تلك التمتمة.. ولما التحقت بالمدرسة الوسطى نصحني الأستاذ “محمد أحمد قاسم”.. وقال لي يا ابني حتى تفارق تلك التمتمة لا بد أن تغلق نفسك في غرفة وتغني بصوت عال، فعملت بنصيحته.. وراحت التمتمة.
} وبعد أن راحت التمتمة؟
– بدأت ألحن الأناشيد المدرسية، واستمررت في ذلك حتى المرحلة الثانوية، فأوشى بعض الزملاء الذين كانوا معي بحي العرب الوسطى، مثل اللواء “أحمد المرتضى البكري أبو حراز” و”إبراهيم محسن” و”الطيب محسن”، أوشوا لجمعية الموسيقى أن صوتي جميل، وأنني مشارك في الجمعية كعازف (صفارة أبنوس)، وأملك قدرات أعلى في الغناء والموسيقى. وطلبوا من الجمعية أن تمنحني الفرصة للغناء.. وبالفعل بدأت أغني ووجدت إشادة.. وفي يوم الآباء بالمدرسة الثانوية قدموني فغنيت للأستاذ الراحل “إبراهيم عوض” (أبو عيون كحيلة).. وكانت ضربة البداية لاكتشاف موهبة جديدة في الغناء “زيدان إبراهيم”.
} من الذي احتضنك في بدايتك الفنية؟
– الأستاذ “عباس بانقا”، وقدمني للإذاعة في برنامج (ركن الهواة).
} هل تذكر ماذا غنيت في البرنامج؟
– قدمت أغنية (بيني وبينك الأيام) للفنان “محمد وردي”، ومن ثم احتضنني الأستاذ اللواء “عوض أحمد خليفة”.. ووجدت مساندة كذلك من الشاعر “سيف الدين الدسوقي”، وهو أول من تعاملت معه، وعرفني بالسني الضوي.
} ماذا غنيت لهم؟
– غنيت (ما سألت يوم علينا).. و(بعذرك) و(ما ممكن ألوم) (وأحلام ما ليها لزوم) وهي من كلمات “سيف الدين الدسوقي”، وثنائي العاصمة بعد أن كونوا ثلاثي العاصمة سطوا على بعض الكلمات.
} ماذا قدم لك الشاعر الكبير عوض أحمد خليفة؟
– الأستاذ الشاعر الكبير “عوض” احتضنني وأخذ بيدي، وقدمني لبرعي أحمد دفع الله، ووقتها كانت أغنية (الوصية) مفصلة لوردي.. فكانت لعوض أغنية أخرى بعنوان (يا أغلى الحبايب) غنيتها وغناها من بعدي الفنان “عبد العزيز محمد داؤود”، ولكن رفضتها حتى لا أكون نسخة من “عبد العزيز محمد داؤود” إذا غنيتها.
} في بدايتك الفنية لمن كنت تغني؟
– كنت أغنى لوردي حتى لقبت بوردي الصغير.
} بعد أن قدمك “عوض” لبرعي لمن قدمك بعده؟
– قدمني للأستاذ “عبد اللطيف خضر”.. وكانت له أغنية باسم (بالي مشغول يا حبيبي) وتلك الأغنية امتحنت بها لإجازة صوتي بالإذاعة عام 1963م.
} وبعد “عوض أحمد خليفة” من الذي احتضنك؟
– احتضنني “أحمد الزبير”.
} موقف لا تنساه؟
– أذكر أن عمالقة الفن آنذاك دعوا لإحياء حفل غنائي لتعويض المتضررين من السيول والأمطار، ودعيت مع الفنان الراحل “خليل إسماعيل” لنغني مع أولئك العمالقة “وردي”، “كابلي”، “صلاح مصطفى”، “إبراهيم عوض”، وفجأة ظهر “وردي”، وقال لنا: (من لم يكن له جمهور فيجب أن يترك الساحة).. فلملمنا أطرافنا وتركنا المجال لمن يصدح في ذلك اليوم.. وهذا الموقف جعلني أبحث عن ذاتي وصياغة نفسي، واحتجبت عن الساحة لمدة أربع سنوات وظهرت في عام 1967م .
} هل تذكر أول أغنية قدمتها بعد ذلك الغياب؟
– كانت (أكثر من حب) كلمات الشاعر “عبد القادر محمد الصادق”.
} هل تذكر الشخص الذي أطلق عليك العندليب الأسمر؟
– هو الصحافي “التيجاني محمد أحمد” تيمناً بالعندليب الأسمر “عبد الحليم حافظ”.
} متى أحسست أن الجمهور بدأ يعرفك؟
– أذكر أنني وبعض الفنانين تقدمنا بعريضة احتجاج للمسؤولين بالإذاعة، طالبنا فيها بتقديمنا في الفترة الأكثر سماعاً بدلاً عن الفترة (الميتة) التي يقل فيها السماع. وبالفعل بعد أن استجيب لنا بدأ الجمهور يتعرف علينا، وبدأ يطلبنا في برنامج (ما يطلبه المستمعون) وأصبحنا ملء السمع والبصر.
} ونقطة التحول الكبرى؟
– عندما التقيت بالأخ “عمر الشاعر”.. ومن ألحانه (وسط الزهور متصور).. وقدمنا أنفسنا للجمهور كأنجح ثنائي ظهر في تلك الفترة.. ومن ألحانه الأخرى (ما أصله ريدها)، (قصر الشوق).. في (الليلة ديك) وأستمررنا كثنائي إلى الآن.
} وماذا قدم لك “عوض أحمد خليفة”؟
– “عوض” قدم لي (ليه كل العذاب.. في بعدك يا غالي.. وبالي مشغول) وما زال أملي فيه كبير.
} ملحنون آخرون؟
– التقيت بالملحن “عبد الماجد خليفة” وقدم لي (ما حصل فارقته دربك) ثم “أحمد زاهر” (أكون فرحان).
} أجمل حفل عام أو خاص أحسست فيه بالفرح؟
– لا أتذكر، ولكن أكن لجمهور مدني حميمية وحباً خاصاً .. وأذكر أنني في أحد الحفلات كان الجمهور يرميني بالورود. وهذا المشهد بكى له “علي ميرغني”، وقال لي: (يا ابني لقد عزفت مع عدد من الفنانين، ولكن كمية الحب هذه لم أجدها عند فنان من جمهور مدني).
} ما الذي يبكيك؟
– بكيت كثيراً في حياتي، وأبكتني (في بعدك يا غالي) و(الذكريات).
} أيام فرح عشتها؟
– قليلة.. ولن تعود مرة أخرى.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية